الشيخ الجنتلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 1969 زار المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بريطانيا، وترحيباً به رحمه الله نشرت صحيفة الدايلي تليغراف مقالة تعرّف قراءها بالشيخ الزائر اختارت لها عنواناً لافتاً هو «البدوي الجنتلمان»، ومعلومٌ أن كلمة «جنتلمان» في السياق المعجمي الإنكليزي تعني الرجل الشهم الشريف الخلوق.

والواقع أن الذين عرفوا الشيخ زايد عن قرب، وكذلك من تفيؤوا ظلالَ حكمه الرشيد، وحتى من نشؤوا بعده وسمعوا عنه من آبائهم وأجدادهم، يكادون يجمعون على أن هذه الصفات الثلاث هي، إلى جانب التقوى، المكوّن الرئيس الأبرز في شخصية هذا القائد الإماراتي الفذ والأب المؤسس لدولتنا الاتحادية.

فالشيخ زايد، رحمه الله رحمة واسعة، كانت كتلة أخلاقية تمشي على الأرض، لم تكن الأخلاق عنده شعارات بل ممارسات، وسلوكيات يومية طبيعية غير متكلّفة يلمسها كل من يتعامل معه، ببشاشته، رحمه الله، وتباسطه مع الناس حتى لكأنك لا تشعر أنك تتحدث مع الحاكم أو مع رئيس الدولة.

كان رحمه الله ماهراً في اصطياد القلوب، لكنه لم يترك العقول بعيدة عن ذلك، لذلك رأينا اهتمامه بالعلماء ومشارب العلم المختلفة، وكان ذكاؤه الفطري وسعةُ اطّلاعه وروحُه الوطنية الوثّابة سلاحَه الفتاك حين يكون ذلك العلم موضوع نقاش يخص وطنه أو إمارته أو مدينته أو شعبه الوفي.

كان ذلك الرجل الشهم الشريف الخلوق مدرسة في الرجولة والشهامة والشرف، ولكنه كان أيضاً مدرسة في تأصيل معالم الشخصية الوطنية الإماراتية وقيمها الوطنية بحيث كان قدوة لأبناء وبنات شعبه في استلهام سنعهم وتراثهم المجيد والبناء عليه في عيش حاضرهم وصناعة مستقبلهم، لذلك نجد الإماراتيين اليوم من أكثر الشعوب العربية التصاقاً بتقاليدهم الخيّرة الموروثة عن الآباء والأجداد، رغم كل مغريات الحضارة المادية وضغوطات الخلل في التركيبة السكانية.

لقد ربّى الشيخ زايد، رحمه الله، أجيالاً من الإماراتيين على أسس أخلاقية وبنى دولةً قائمة على الأخلاق وعلى الشهامة والفروسية، وإلا فكيف نفسّر واقع أن دولتنا، دولة زايد الخير، هي اليوم أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم بشهادة المنظمات الدولية الرئيسة. ولسنا وحدنا من نملك المال، لكننا وحدنا من تربينا في مدرسة زايد.

لكن ماذا يعني هذا كله بالنسبة لنا، نحن جيل الآباء اليوم ولأبنائنا الذين لم يعيشوا في عهد زايد؟

هذا تحدٍ يحتاج منا إلى التعامل معه بذكاء، فالمطلوب هو أن نرتقي إلى زايد وإلى أخلاق وقيم زايد وإلى وعيه وتديّنه وشهامته وفروسيته، وأن نتعلم من ذلك ونحن نربّي أبناءنا، هؤلاء الذين سيرثون منا إرث زايد ودولة زايد واتحاد زايد ليحملوا الأمانة إلى الأجيال القادمة، لذلك علينا أن نكون مخلصين وصادقين ونحن ننقل إليهم هذا الإرث العظيم، وأفضل وسيلة لذلك هي أن نكون نحن في حياتنا وتصرفاتنا وشخصياتنا القدوة لهم في أن تكون تصرفاتنا «مما كان يحبه زايد».

ومع الذكرى الثانية والخمسين لتولي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، دعونا نعقد العزم على الارتقاء بسلوكياتنا وحياتنا وأخلاقنا إلى ما كان يحبُّه زايد، ثم نستمطر شآبيب الرحمة على روحه الطاهرة، ونقول: رحمة الله عليك يا جنتلمان العرب.

 

Email