حتى لا نخسرهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحب الحقيقي هو أمر فطري كحب الأم والأب لأبنائهم أو كحبنا للأقارب والأصدقاء، ويتراوح هذا الحب ما بين تفريط واعتدال، وفيه نستطيع الابتعاد في ظروف معينة تحتم علينا ذلك، وإن شاءت الأقدار الفراق لبعض الوقت لأي سبب من الأسباب فبإمكاننا التحمل والاعتياد على الغياب، وبالتالي النسيان.

أما التعلق العاطفي فهو الحب الزائد على الحد المعقول والذي يوصل صاحبه إلى المرض النفسي، لأنه لن يستطيع التحكم بدقات قلبه الذي ينبض نبضاً يعجز عن التراخي لمن تعلق به القلب، وبالتالي لن يتمكن من الابتعاد أو السيطرة على هذا الحب مهما كانت الظروف لذا من المحتمل أن ينهار نفسياً.

كثيراً ما نسمع قصصاً مريبة لأشخاص كان لهم دور سلبي إما في تدمير حياتهم أو حياة من تعلقوا بهم، ذلك أن التعلق بأي شخص حالة غير صحية، فهي لا تعتبر من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، لأنه قد يتحول مع مرور الوقت إلى مرض يعيق الشخص عن تطوير الذات وتحقيق الإنجازات وبناء العلاقات الناجحة.

فالتعلق يقيّد الإنسان، لأنه جل اهتمامه وتركيزه سينصب على من تعلق به قلبه، فلا يستطيع أن يفارقه للحظة، لذا يغمره بالاتصالات المبالغ فيها ويتحكم به من خلال السؤال الدائم، أين أنت؟ ومع من؟ وذلك لأنه حصر نفسه في زاوية واحدة فأصبح يرى الحياة برمتها في هذا الشخص.

في الحقيقة هذا السلوك لا يعتبر حباً، لأن انعدام التوازن النفسي الداخلي قد يكون سببه أنه لم يحصل على الحب الكافي في الصغر، لذا أصبح يتعلق بالأشخاص في حياته بشكل مرضي، لدرجة تصل إلى السيطرة والتملك، وهذا ما يجعل هذه العلاقة خانقة بالنسبة للطرف الآخر فيضطر على المدى البعيد أن يرحل.

تنطبق حالة التعلق العاطفي على بعض العلاقات الزوجية وعلاقة بعض الأسر مع الأبناء ومع الأصدقاء، فبعض الزوجات لا تريد الإقدام على أي عمل في غياب الزوج، ليس لأنها لا تستطيع، بل لأنها تشعر بالوحدة في غيابه على الرغم من وجود عائلتها وأبنائها وأصدقائها. وهذا التعلق ليس بغريب في الحياة الزوجية، ولكن عندما يعيقها عن القيام بأدوارها التي تساعد في تخفيف ضغوط الحياة الزوجية، تصبح في حياة زوجها كالسجان، لذا يُجبر الزوج على أن يبحث عن المتنفس بعيداً.

أما الأبناء، فيحدث هذا التعلق عند زواجهم، لأن الأهل لم يعتادوا على عدم التدخل في أبسط الأمور التي تخصهم، لذا تجدهم يحاولون دائماً معرفة أدق التفاصيل، لأنهم غير مقتنعين أنهم لم يعودوا أطفالاً كالسابق. هذا التعلق المخيف الذي نراه اليوم في بعض الأسر له دور كبير في تدمير حياة الأبناء بالطلاق.

فرط التعلق بالآخرين يجعلك تخسر نفسك أو من تحب، لذا يجب توزيع المحبة باعتدال من دون مبالغة حتى تكون العلاقة صحية. أجعل الحب والتعلق الأكبر لله سبحانه وتعالى، فهي المشاعر الأسمى والأجمل التي كلما زادت زادتك راحةً واطمئناناً.

Email