وداعاً والدتي أنت الوطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أمور تستجد وطارئة في الحياة تجعلك مشلولاً، بالرغم من إيماننا بقضاء الله وقدره وبالقيم الدينية التي زُرعت فينا منذ الصغر، هذه الأمور الطارئة كالفشل في الحياة والظروف الصحية، فما أبعدني عن وسائل الإعلام والأمور الحياتية المعتادة هو انقطاعي بسبب وفاة والدتي (رحمة الله عليها) السيدة مريم سيف السري، طيّب الله ثراها، أرملة المرحوم السيد ماجد محمد السري، بيني وبين والدتي فقط ١٣ سنة، فقد أنجبتني في سن الثالثة عشرة ونحن بالكويت في صحة المرقاب فجر أحد أيام أكتوبر 1964، وكما تروي لي أنها لا تعرف شيئاً وعند عودتها للشقة تفاجأت بأنها شعرت بأوان الإنجاب وهي جالسة وسط أهلها وأقاربها، فما كان منها إلا أن لجأت إلى الجارات في الشقق المجاورات لها، فوجدت من الإمارات ومن سوريا ومن لبنان ومن فلسطين ومن العراق، وولدتني واستمرت الحياة، وكبرت أمي، وأنجبت -رحمها الله- خمسة أطفال إلى حين عودتنا من الكويت إلى الشارقة في يناير 1973.

أمهات الزمن الطيب كانوا معروفين بالطيبة والصبر والتحمّل ورؤية الأشياء جميلة مهما كانت، وتبسيطها مهما صُعبت، وتوصيلها إلى أن تصبح جميلة في عيون الأبناء، أمي كانت من هؤلاء الأمهات، عُرفت بالصبر والعطاء والجود والكرم، وظلت هذه الصفات معروفة فيها إلى أن توفاها الله.

تزامنت مسيرة الأمومة في نفس الوقت مع مسيرة المرض في رحلةٍ تغلبُت فيها الأمُّ على آلامها محاولة أن تشمل أفراد أسرتها بعطفها ورعايتها كي يصبحوا أبناءً سعيدين في نطاق أسرة سعيدة وصالحة، وواصلت كفاحها في تربية أحفادها، و«ما أعز من الولد إلا ولد الولد»، في خلال ثلاثين عاماً رُزقت أمي بعشرين حفيداً ما بين ولد وبنت، رأتهم وربتهم وحضرت ولاداتهم وهذا ما كانت تتمنى.

عندما نواجه لحظة الفراق لابد أن نكون متمتعين بالإيمان والصبر، ولأن الأم لا تعوّض ولو حزنت عليها طوال الدهر، ولو أمسكنا حبر مداد الكلمات وكتبنا فيها الكلمات لن نوفيها حقها، فقد كانت بالنسبة لنا هي الأم والأب والحضن والراعي، خاصة بعد وفاة الوالد ماجد، وذلك كله رغم مرضها.

إنا لله وإنا إليه راجعون.. في فجر يوم الأحد الأخير من أبريل الماضي ذهبت الوالدة بروحها الطاهرة إلى رب رحيم، عن عمر يناهز 67 سنة، فما لنا كأسرة إلا أن نقف بعد رحيلها متحدين وصابرين ونقول لبعضنا البعض إنها ما زالت بذكراها الطيبة وأعمالها الجليلة -هي ووالدي- حاضران بيننا، وأقولُ شكراً لكل من عزانا، وأخصّ بالشكر حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي والشيخات من أسرة القواسم وسفارة دولة الكويت وكل العوائل من كافة أفراد المجتمع الإماراتي.. لا أراكم الله مكروهاً.

Email