الإمبراطورة "كاترين" العظمى

كاترين الثانية تخرج روسيا من ظلام القرون الوسطى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي هذا الكتاب بمثابة الحلقة الأخيرة من مسلسل اهتمام مؤلفه الأميركي "روبرت ماسي" بوقائع وأحداث وعبرة التاريخ الروسي منذ أيام القرن الثامن عشر وحتى العقدين الأول والثاني من القرن العشرين.

ولقد سبق للمؤلف أن أصدر كتابه المهم عن "بطرس الكبير" (1672-1725) الذي يعد القائد المؤسس لروسيا الحديثة، بمعنى أن إصلاحاته أدت إلى تحويل روسيا من إمبراطورية شبه إقطاعية أو شبه شرقية أو آسيوية إلى حيث بدأت تسير على طريق شخصيتها المستجدة منذ ذلك الحين بوصفها بلدا أوروبيا يحاول أن يأخذ بأسباب التحديث والتصنيع على السواء.

ويتميز هذا الكتاب أولا بأسلوب البلاغة الذي اتبعه المؤلف بما تجنب معه جفاف السرد التاريخي، وهو ما اكتسبه صاحب الكتاب من حرفة الصحافة التي امتهنها على مر تاريخ حياته الطويل، كما يتميز الكتاب ثانيا باتباع منهج التحقيق التاريخي الموضوعي مما جعله يطرح جانبا من الشائعات - الخرافات كما يسميها نقاد هذا الكتاب - وقد أحاطت بسيرة الإمبراطورة "كاثرين الثانية" ذات الأصل الألماني شبه المتواضع.

وقد جاءت إلى روسيا في سن الرابعة عشرة، وعاشت ردحا من بدايات حياتها رهينة المعاناة بين زوج مضطرب وأميرة روسية متقدمة في السن ومهيمنة على كل أمور البلاط الروسي، الذي كان حافلا في سنوات القرن بالكثير من الدسائس والمؤامرات إلى أن تمكنت الفتاة المقبلة من ألمانيا من اعتلاء عرش آل رومانوف الروسي كي تكتسب لقب الإمبراطورة العظيمة بفضل ما حاولت تنفيذه من تجديدات الإبداع والتحديث.

مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة للولايات المتحدة قارئة معروفة بإقبالها الشديد وشغفها بالكتب والمؤلفات التي تتنوع مواضيعها وتتباين أفكارها وطروحاتها بين الأدب والسياسة وبين العلاقات الدولية والتاريخ.

وفي عددها الصادر بتاريخ 25 ابريل الماضي كلفت جريدة "النيويورك تايمز" واحدا من محرري القسم الأدبي في الصحيفة الأميركية المعروفة بأن يجري حوارا مع الوزيرة السابقة التي أدارت دفة الدبلوماسية الأميركية في حقبة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وكان محور هذه الحوارات سؤالا واحدا: سيدة أولبرايت، ماذا تقرئين في هذه الأيام؟

وكان بديهيا أن تتنوع إجابات مثل هذا السؤال الشامل ما بين الأنواع الأدبية وفي مقدمتها رواية الأديب الروسي تولستوي الشهيرة بعنوان "الحرب والسلام" إلى رواية الإنجليزية "جين أوستن" الشهيرة أيضا بعنوان "الكبرياء والهوى" إلى جانب كتابات الروائي الكولومبي الأشهر "غابرييل غارسيا ماركيز" وأعمال الكاتب التركي المرموق "أورهان باموق".

لكن الذي يلفت الأنظار هو أن "مادلين أولبرايت" استهلت اجاباتها واستعراضها لما تشغف بقراءته هذه الأيام بالذات فقالت إن في مقدمة ما تطالعه حاليا كتاب عن سيرة شخصية روسية ولكن بقلم كاتب أميركي هو المؤرخ "روبرت ماسي" وعنوان الكتاب هو: "كاثرين العظمى". وهو الكتاب الصادر أخيرا، وهو أيضا موضع اهتمامنا من منظور العرض والمناقشة التحليلية فيما يلي من سطور.

من الوهلة الأولى يشعر القارئ بأن المؤلف بدوره يصدر عن روح متأثرة بمجال الإبداع الأدبي، ها هو يورد عنوانا فرعيا لكتابه يقول فيه:"صورة امرأة"

وتلك أصداء لرواية بارزة في الأدب الإنجليزي - الأميركي الحديث حيث سبق للروائي "هنري جيمس" في عام 1880 إصدار رواية كان لها شأن كبير بعنوان "صورة سيدة".

بيد أن مؤلفنا استاذ مؤرخ اختصاصي في التاريخ الروسي وإن كانت أعماله التاريخية تمزج في أسلوبها بين الرواية التاريخية الموثقة وبين الإبداع الأدبي أو شبه الأدبي وهو ما أضفى على كتاب "كاثرين العظمى" رونقا من نوع خاص.

عن شهيرات النساء

وربما زاد من جلاء هذا الرونق التاريخي أن المؤلف يحكي سيرة واحدة من النساء الشهيرات في التاريخ الحديث، وهي تكاد توضع جنبا إلى جنب مع شهيرات النساء، في مراحل سبقت وغبرت من التاريخ الإنساني، ابتداء من حتشبسوت في مصر القديمة إلى كليوباترا في دولة البطالمة بالإسكندرية إلى شهيرات النساء اللائي تولين زمام الحكم في مراحل مختلفة من حياة الشرق.

حيث يخطر على البال أسماء من قبيل بلقيس، الزباء، شجرة الدر، فيما يخطر على الباب الأوروبي أسماء من قبيل "إليزابيث" التي عاش في عصرها ويليام شكسبير، إضافة إلى "فكتوريا" التي شهدت حقبتها التي استطالت بين عام 1762 و1796 ذروة الازدهار - الإمبريالي في بعض الأحيان - لبريطانيا العظمى.

ومنها إلى "ماريا تريزا" في إمبراطورية النمسا وصولا إلى "كاترين" التي يضفون على تاريخها وصف "الاستثنائي" حيث نشأت بين ظهراني عائلة من نبلاء ألمانيا المتواضعين وسافرت إلى روسيا في سن الرابعة عشرة، ثم واصلت مسيرتها مندفعة بشعلة متقدة من طموح بالغ تسنده إرادة من حديد، لتصبح واحدة من أخطر وأهم وأقوى النساء وهي تعرف في التاريخ السياسي الروسي بأنها "كاترين الثانية" حيث سبقتها كاترين الأولى، ذات الأصل الفلاحي التي تولت عرش روسيا حتى سنة 1727، واتخذت لقب "القيصرة كاترين" في عام 1724.

أما "كاترين الثانية" بطلة كتابنا فقد عمدت إلى نسيان أصلها الألماني تماما، كي تصبح روسية 100 ٪ كما يقول كتابنا، ومن ثم أحاطت نفسها في قصر الكرملين بثلة من الأتباع والأصدقاء والناصحين والساسة المحنكين ورجال الدولة الذين رفعوا رايات الإصلاح في بلد يجمع مع امتداد رقعته بين انتماء أوروبي، وانتماء آسيوي فيما كان يتحكم في مجتمعه وسكانه نظام يجعل من الفلاحين عبيدا للأرض أو هو نظام "القِنانة" كما يعرف في التاريخ الاقتصادي.

مشكلتها - كما يوضح مؤلف هذا الكتاب - كان زوجها المستضعف أو خائر العزيمة، كان اسمه بيتر أو بطرس كما قد نسميه، كان شخصية مهزوزة وغريبة الأطوار، رغم أنه يُعرف في تاريخ بلاده بأنه كان حفيد "بطرس الأكبر" وهو القيصر التاريخي (1672-1725) الذي يرجع إليه الفضل - على نحو ما يقول كتابنا - في تحديث روسيا ومحاولة نقلها من مجتمع إقطاعي زراعي متخلف إلى مجتمع جهد "بطرس الأكبر" في أن يأخذ بيده إلى بدايات الثورة الصناعية، التي كانت بشائرها تلوح في ربوع مناطق الوسط والغرب من أوروبا، متوازية في ذلك مع حركة التنوير التي أخرجت أوروبا وقتها من دياجير القرون الوسطى بكل ظلامها وخرافاتها وتخلفها.

وجاء هذا كله بعد جولة واسعة قام بها "بطرس الأكبر" في ربوع أوروبا، حيث عمد إلى تجميع أمهر الصانعين والحرفيين، وجاء بهم إلى بلادهم كي يساهموا في عملية التحديث التي كان يطمح إليها، ومن ثم كان تشجيعه لعلماء الألسنيات في زمانه كي يبسّطوا اللغة الروسية ويخلّصوها من شوائب العصور الوسطى، لدرجة أنه اشرف بنفسه، كما يقول كتابنا، على إنشاء "الأكاديمية الروسية للعلوم" وعلى إصلاح روزنامة التقويم الروسي بل وتبسيط الحروف الهجائية في اللغة الروسية.

توسيع حدود روسيا

من هذا المنطلق البالغ الطموح جاءت حركة "كاثرين" بطلة كتابنا على نحو ما يتابع مؤلف الكتاب، البروفيسور "روبرت ماسي" من أجل توسيع حدود روسيا سواء إلى شواطئ البحر الأسود أو إلى دواخل وسط أوروبا، صحيح أنها كانت تمارس أسلوبا أوتوقراطيا انفردت فيه بمقاليد الحكم في بلادها، إلا أنها واصلت مسيرة الإصلاح والتحديث والتمدين التي كان قد بدأها .

- كما أسلفنا - القيصر بطرس الأكبر، وكان من تجليات هذه النزعة تلك المراسلات التي عرض لها المؤلف بقدر من الاهتمام، وهي الرسائل المتبادلة بين القيصرة الروسية وبين صفوة المثقفين وأعيان المفكرين الأوروبيين في عصرها، وهو زمن الاستنارة أو "عصر العقل" كما يسمونه في تاريخ الفكر الأوروبي الحديث.

مشكلة كاترين الثانية - كاترين العظيمة كما قد تسمى - أن سيرتها أحيطت بموجات إثر موجات من الشائعات والأقاويل والفضائح أيضا، حيث تحدث الكثيرون عن تعدد عشاق القيصرة الروسية، بل عن وفاتها وهي تحاول أن تلاطف جوادا حرونا في الحظيرة الإمبراطورية، أو عن وقوعها ضحية لخداع واحد من المقربين إليها، وهو المارشال "بوتمكين" الذي يرجع الفضل إليه في ضم شبه جزيرة القرم على البحر الأسود إلى رقعة الدولة - الإمبراطورية الروسية.

عن الفضائح والصدمات

ولقد حرص مؤلف هذا الكتاب أن يحقق كل هذه الحكايات وأن يفند كل ما أحاط سيرة الإمبراطورية الروسية من شائعات أو أقاويل بعضها يصل، كما يقول المؤلف، إلى حافة الخرافات، وهو يضيف قائلا إن الناس يحلو لهم ترديد هذا كله ومن ثم كانت سيرتها قطبا جاذبا لكاتبي السيناريو وصانعي أفلام هوليوود، حيث تبادل تجسيد هذه الشخصية عدد من أشهر نجمات السينما الأميركية ابتداء من مارلين ديتريش وليس انتهاء بجين مورو أو كاترين زيتا جونز، وفي هذا السياق يقول ناقد "النيويورك تايمز" تشارلز مغراث:

سوف يصاب صائدو الفضائح بصدمة حقيقية حين يطالعون سيرة كاترين العظمى التي عكف على تحقيقها المؤلف "روبرت ماسي"، وبعد أن تابع هذا المؤرخ مراحل حياتها وتطور سيرتها كي يصورها، بأدوات البحث والتمحيص التاريخي، كيف كانت - رغم بهاء السلطة وصولجانها - امرأة في التحليل الأخير بمعنى امرأة وحيدة بغير أصدقاء حقيقيين أصلاء، فيما كانت محدودة التعليم، لا تلبث تتذكر نشأتها في كنف أسرة متواضعة من نبلاء ألمانيا، وكيف جاءت إلى روسيا صبية في الرابعة عشرة بلا حول ولا قوة، وكيف شقت طريقها صعودا إلى عرش روسيا وسط أنواء حافلة بمؤامرات القصور.

وكيف نجحت بمواهبها في تعلّم لغة وأساليب البلاط الروسي وأركانه وكيف نجحت في تعلم وإتقان اللغة الروسية وتحولت من اعتناق البروتستانتية إلى اعتناق المذهب الأرثوذكسي المعتمد في الكنيسة الروسية وهو ما جعلها أقرب إلى قلوب عامة الشعب الروسي، وكيف ظلت خاضعة لسنوات طوال لسطوة حماتها أو عمة زوجها الإمبراطورة "إليزابيث" وكيف كانت كاترين زوجة لإمبراطور لا يكاد يأبه بها ولا يكاد يأبه به أحد.

وقد جعل هذا كله المؤلف يقارن بين ظروفها هذه وبين الظروف التي عاشتها "ماري أنطوانيت" التي جاءت بدورها من مسقط رأسها في النمسا كي تعيش في البلاط الملكي الفرنسي الحافل بالمخططات والدسائس والمؤامرات إلى أن شهدت ماري أنطوانيت، كما هو معروف، نشوب ثورة فرنسا الكبرى في 14 يوليو 1789، وانتهت حياتها، أو فلنقل تراجيديا حياتها، تحت شفرة المقصلة وسط شوارع العاصمة يوم في 16/10/1792.

نلاحظ أيضا من فصول هذا الكتاب أن المؤلف يقسّم حياة بطلته إلى مرحلتين، في الأولى كانت كاترين قد بلغت سن الثالثة والثلاثين وهي السن التي تولت فيها عرش قياصرة روسيا، وهي مرحلة الصعود وسط المعاناة، والكبت والإحباط العاطفي وشعور الاغتراب وسط بيئة كان عليها أن تتعايش معها وتتعلم لسانها وتتفهم ثقافتها، أما المرحلة الثانية فقد استمرت ردحا من الزمن قوامه 34 عاما أمضتها إمبراطورة على عرش القياصرة في بطرسبورغ.

وكانت معاناتها في غمار هذه السنوات تتمثل في دسائس عمة زوجها بل وفي سيطرة العّمة على مقاليد الحكم مستعينة في ذلك بقدامى رجال البلاط القيصري، دعك من زوج لا يكاد يلقى بالا إلى زوجته الشابة المتقدة الطموح، لدرجة أن ظلت كاترين عذراء على مدار تسع سنوات دون أن يتذكر زوجها أنها شريكة حياته لا من قريب ولا من بعيد!

استبعاد الزوج

هذا الزوج غريب الأطوار هو الذي قرر وجهاء روسيا في ذلك الزمان أن يستبعدوه، ورغم الملابسات المأساوية التي أحاطت باغتياله، فقد خلفته كاترين لتبدأ عصرها الذي استمعت فيه إلى النصائح من جانب الفيلسوف الفرنسي الأشهر "فولتير"، وكان لديها أن تقود روسيا إلى ضفاف العصر الحديث.

ومن الأمثلة التي يسوقها المؤلف في هذا الصدد ما يتعلق بانتشار مرض الجدري الخطير بين صفوف الفلاحين والعامة من أبناء الشعب الروسي في الحواضر والأرياف على السواء. يومها، انتشرت أساليب العلاج الموروثة وكان تتراوح بين الوصفات البلدية المستقاة من الأعشاب على نحو ما كانت تقضي به كتب عتيقة وأعراف تجاوزها الزمن، وبين الركون إلى تعاويذ القساوسة وأدعياء الدين.

هنالك صممت الإمبراطورة "كاترين" أن تختار علاج المصابين بالجدري من أبناء شعبها باستخدام العقارات الطبية التي اكتشفوها حديثا في زمانها وكان في مقدمتها مصل التطعيم ضد الجدري، يومها أيضا حذرتها كل أوساط البلاط الإمبراطوري الروسي من مغبة استخدام هذا العقار الطبي المستجد في حياة الناس، لكنها صممت، بل وقررت أن تضرب المثل أمام الناس، فكان أن طلبت تطعيمها شخصيا بالمصل الجديد، وكانت بذلك قدوة شجاعة أمام جموع المواطنين، وانتشر اللقاح المعالج واتسع استخدامه، وكان في ذلك انقاذ روسيا وشعبها من الداء الوبيل.

يؤكد المؤلف أنها كانت لا تكلّ من العمل والنظر في أمور الدولة الشاسعة الأرجاء، فما بالنا وقد كانت هذه الإمبراطورية حافلة - كما أسلفنا - بالاقنان - عبيد الأرض، حيث كان الإقطاعي الأرستقراطي الروسي يمتلك الأرض وما عليها من ضياع وحيوان ومَنْ عليها من أفراد وعائلات من البشر الذين كانوا يباعون ويشترون في أسواق النخاسة الأوروبية، برغم ما كان يتشدق به دهاقنة أوروبا في القرن الثامن عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر من انتشار الحرية ودعوات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

ومن مفارقات حياتها أنها نقل عنها التأكيد على ضرورة البدء بمشاريع الإصلاح وخاصة ما يتعلق بهؤلاء الأقنان الذين اهتمت في بداياتها بقضايا علاجهم من مشكلاتهم الصحية.

ولكن بعد الانتفاضة التي ثار فيها عبيد الأرض على سوء أوضاعهم فقد أسفرت كاترين الثانية عن وجه آخر، وكان وجها مكفهر السحنة، مربدّ الملامح لدرجة أن عاقبت مثيري تلك الانتفاضة التي دامت في الفترة 1773 - 1774 بقيادة الثائر "بوغاشيف" فكان أن عمدت إلى توطيد نفوذ الإقطاعيين والنبلاء.

وتعزز بذلك نظام القنانة المعروف في الأدبيات التاريخية الأوروبية باسم "السيرفدوم". ومن عجب أن استمر هذا النظام صامدا لكل متغيرات الزمن ورغم دعاوى الثورة الفرنسية في الحرية والإخاء والمساواة، ولم يقدر للنظام المذكور أن يسقط أو يزول إلا بعد قيام الثورة الروسية في أكتوبر عام 1917 أي بعد رحيل كاترين عن الحياة بأكثر من 121 عاما.

إنجازات إمبراطورة

مع ذلك يشهد كتابنا لبطلته أنها استطاعت أن "تقتنص بولندا" حين ضمتها إلى روسيا، فضلا عن تمديد حدود الإمبراطورية إلى حيث أصبحت تطل على ضفاف البحر الأسود، وبمعنى أن وصلت إلى مشارف آسيا الصغرى التي كانت تضم الإمبراطورية العثمانية - التركية، ومن ثم جاء اقتراب روسيا ولو نسبيا من حلم القياصرة عبر العصور، وهو الوصول يوما إلى حيث المياة الدافئة قرب مضايق البوسفور والدردنيل ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط.

وحتى في هذا السياق يتعامل مؤلف الكتاب بموضوعية الدارس وحيادية المؤرخ مع ما يعده بعض المؤرخين الروس من مآثر الإمبراطورية كاترين. وفي هذا السياق يقول المؤلف إنها كانت معدومة الضمير حين أنشبت أظافرها في أراضي بولندا المجاورة وأنها مارست عملية "اقتناص" إن لم تكن عملية "اختطاف" لشبه جزيرة القرم المطلة على بحر قزوين.

أيا كان الأمر فقد جاء الكتاب حلقة من سلسلة دراسات، استأثرت باهتمام المؤلف بوصفه مؤرخا شغوفا بتاريخ "آل رومانوف" الذين حكموا روسيا على مدار 300 سنة وكان بينهم، كما ألمحنا ، قيصر طموح إلى الحداثة هو بطرس الأكبر، فيما كان بينهم أيضا كاترين العظمى أو الكبرى كما قد نصفها لأنها استطاعت - على نحو أو آخر - أن تواصل مسيرة هذا التحديث إلى أن غربت شمس آل رومانوف مع هزيمة روسيا في الحرب العالمية الأولى واندلاع ثورة البلاشفة في عام 1917. الم 

ؤلف في سطور

بلغ روبرت ماسي سن الثانية والثمانين مع أواخر العام الماضي. درس التاريخ الأميركي والأوروبي في جامعة "يال" ثم جامعة "اكسفورد" وعمل صحافيا في مجلة "نيوزويك" مع مطالع عقد الستينات من القرن الماضي.

وقبل أن ينتقل للإقامة في فرنسا - شأن الصفوة من المثقفين الأميركيين - كان قد أصدر واحدا من أهم كتبه بعنوان "نيوكولاس والكسندرا" وهو سيرة حياة كل من آخر إمبراطور في التاريخ الروسي "نيقولا الثاني"، وآخر إمبراطورة أيضا وهي "الكسندرا دي هيسن".

وقد نال هذا الكتاب جائزة "بوليتزر" الأميركية الرفيعة في الأداء الصحافي ليصبح واحدا من الكتب التأسيسية .

كما يمكن وصفه في دراسة تاريخ الحكم الإمبراطوري الذي ظل في يد أسرة رومانوف من قياصرة الروس على مدار 300 سنة تقريبا، انتهت في أكتوبر من عام 1917.

وقد قام المؤلف بتحديث كتابه المذكور ليعيد إصداره في عام 1995 تحت عنوان جديد هو "آل رومانوف: الفصل الأخير".

وقد اختارت صناعة السينما والتليفزيون هذه الأعمال كي تقدم على أساسها أفلاما سينمائية منها فيلم عن آخر قياصرة روسيا، ومنها أيضا مسلسل درامي عن "بطرس الأكبر"، الذي كان أول من سار ببلاده على طريق التحديث والتصنيع منذ القرن الثامن عشر.

وهذا المسلسل فاز بأرفع الجوائز حيث قام ببطولته لورنس أولييفيه وفانيسا رد غريف.

عدد الصفحات: 656 صفحة

تأليف: روبرت ماسي

عرض ومناقشة: محمد الخولي

الناشر: راندوم هاوس، لندن،

Email