المبادرة والانحيازات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلق الرئيس الأمريكي «جو بايدن» مبادرة لوقف الحرب في غزة بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر سقط خلالها أكثر من 150 ألف فلسطيني ما بين قتيل وجريح وتشرد مئات الآلاف خارج ديارهم، فضلاً عن الدمار والخراب الذي لحق بكافة المباني والمنشآت العامة والخاصة.

أبعاد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة لا شبيه لها في العصر الحديث، وبحسب الخبراء والمختصين في الأمم المتحدة فإن إعادة الإعمار يحتاج لعشرات المليارات من الدولارات وسنوات قد تصل إلى ربع قرن من الزمان. 

وسواء نجحت المبادرة في إنهاء الحرب أم لا، فإنها على الأقل سوف تشكل عامل ضغط كبيراً على حكومة نتنياهو، ولكن الأهم أنها ربما تفلح في حلحلة الموقف الأمريكي المنحاز دوماً بكل أسف إلى جانب الموقف الإسرائيلي.
في ظني لولا هذا الانحياز ما كان لإسرائيل أن تواصل الحرب وتكسر المواثيق الدولية وتتحدّى إرادة المجتمع الدولي.

اللافت أن الدعم الأمريكي ليس وليد اليوم؛ بل يعود لعقود ممتدة، ويجب ألا ننسى أو نتغافل عن هذه الحقيقة!

فقد كنت أتنقل بين أروقة منتدى الإعلام العربي الذي اختتم فعالياته الأسبوع الماضي في دبي، ولفت نظري قسم الصحافة الذي كان يعرض صحفاً عربية من القرن الماضي، فوقفت أتصفّحها وأغوص في تلك الحقبة التاريخية.
لفت انتباهي الخبر الرئيسي لصحيفة «البيان» على النحو التالي (مجلس الأمن يدين قرار الإبعاد بإجماع الأصوات.. ما عدا أمريكا)، الملاحظة التي تبادرت إلى ذهني هي تاريخ العدد لأكتشف أنه 10 مايو 1980 لكن المضمون وكأنه يحاكي الواقع الذي نعيشه رغم مرور 44 عاماً على صدوره.

كما أن سجلات مجلس الأمن تؤرخ لـ 50 مرة من جملة 79 استخدمت فيها أمريكا حق النقض «الفيتو» من أجل حماية دولة إسرائيل وعدم معاقبتها على ما ترتكبه من جرائم بحق الإنسانية!

الملاحظ أن كافة الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على البيت الأبيض سلكت النهج ذاته، لا اختلاف في ذلك ما بين ديمقراطي وجمهوري!

وبكل موضوعية فإن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى مراجعة مواقفها في أسلوب معالجتها لقضية الشرق الأوسط، وأن تكف عن دعمها اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي، وإلا فإنها سوف تخسر مصالحها في العالم العربي، لأن شعوب المنطقة لم تعد تحتمل كل ما يجري، والأنظمة العربية انحازت إلى خيار السلام وأيّدت حل الدولتين، ولم يعد إلا أن تقدّم حكومة إسرائيل بدورها ما يؤكد حرصها على تهيئة الظروف إذا كانت جادة في رغبتها بالعيش في سلام.

إن أي مبادرة لإنهاء الصراع لن يُكتب لها النجاح إذا لم تعتمد حلّ الدولتين منهجاً واضحاً لها، وغير هذا... فنحن كمن بنى بيتاً على شفا جرف هار وأقنع نفسه أنه في أمان!

Email