فلسفة الأفلام والكتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

مع رحلتي الذهنية نبع تساؤل يتعلق بمن أثر في الآخر، الرواية كونها فناً أدبياً أم الفيلم كونه فناً سينمائياً؟ أو لأعيد صوغ السؤال بشكل مختلف من الذي استفاد من الآخر، الرواية أم الفيلم؟

هذا المجال جديد تماماً عليّ، ولكن عادت شبكة الإنترنت، ووضعت أمامي تاريخاً طويلاً في مجال صناعة الأفلام، ورحلة طويلة في هذا المجال، بل أرشدتني لبعض من الكتب في هذا المحور كان طلبها من مكتبات على شبكة الإنترنت سهلاً جداً.

وبعد رحلة بحث وقراءة، أدركت تماماً أننا ومن دون أدنى شك في عصر السينما والأفلام، وحتى إن معظم الآراء والأفكار في مختلف المجالات أصبحت تمرر إلى عقول الناس من الأفلام، ولكن فضولي وحبي لمشاهدة الأفلام السينمائية، لم يذهبا عبثاً، فمن تجربة شخصية، أفضل الأفلام التي شاهدتها على الإطلاق، كانت تلك التي كانت قبل تحويلها إلى فيلم عبارة عن رواية، مثل فيلم أليس في بلاد العجائب، وأليس في المرآة، التي كتبها عالم الرياضيات تشارلز دودجسون، ونشرها باسم مستعار وهو لويس كارول، لأنه لم يرد أن يعرف أحد بأن عالم رياضيات يكتب قصصاً للأطفال! وتم تحويلها إلى فيلم للمخرج تيم برتون، وكذلك فيلم الطفل 44 من إخراج ريدلي سكوت، والفيلم كان رواية بالعنوان نفسه للمؤلف توم روب سميث، وفيلم عقل جميل، الذي حصل على أربع جوائز من أوسكار، والذي يحكي قصة حياة عالم الرياضيات جون ناش، الحائز جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، للمخرج رون هوارد، وأفلام شارلوك هولمز، المستوحاة من روايات ارثر دويل والتي تم إخراجها في غبر استديو، على شكل مسلسل، وأخرى على شكل أفلام.

هذه الأعمال من أشهر الروايات والكتب التي تحولت إلى أفلام عالمية عريقة، وإذا لم تكن شاهدت أو قرأت أحدها على الأقل فأنت بعيد تماماً عن عالم الأدب والفن، أعود إلى موضوعي، أو لإلقاء التساؤلات عليكم، لعلكم تهبون إلى إبداء الرأي، فقد عرضت هذه الأعمال لأنها تضعنا أمام سؤال ثانٍ وأيضاً محير، وأعتقد بأنه لا يزال حتى الآن يسبب نقاشات طويلة، وملخص هذا السؤال، هل الأفلام تغنينا عن القراءة؟ وهل القراءة تغنينا عن مشاهدة الأفلام؟

أريد التوقف عند هذا التساؤل لأنه يتقاطع معي أو لأنه يمسني شخصياً كوني أكتب ونشرت عدة كتب، فأعتقد بأن بعضهم يميل إلى القول إن الكتب أهم، ذلك لأنه عرف عن الأفلام أنها ضمن الأنشطة الترفيهية، أما الكتب فهي ضمن الأنشطة الثقافية والتعليمية، وعلى الرغم من وجاهة هذا القول، فإننا في عصر وزمن أصبح الحكم صعباً، وليس من السهل اختزاله بكل هذه البساطة، لأننا نشاهد ونقرأ منجزات روائية مبتذلة ومتواضعة لا يمكن مقارنتها بأقل الأفلام جودة وتأثيراً، فالرواية الرديئة لم تكلف مؤلفها شيئاً بينما الفيلم المتواضع الذي لم يحصد النجاح قد تصل ميزانيته للملايين من الدولارات، واستنزفت من القائمين عليه أوقاتاً طويلة، ولذلك ليس من العدل أن نجيب عن هذا السؤل بهذا التفكير القديم أو بكل هذه السطحية، ولكن اسمحوا لي بأن أتحدث عن رأيي الشخصي في هذا الموضوع، لو كان هناك رواية جيدة ومؤثرة وتحولت إلى فيلم سينمائي، وجاء من وضع بين يديك خيارين الأول الرواية مطبوعة في كتاب، والثاني الفيلم السينمائي، فما الذي ستختاره؟ أتوقع أن معظمكم سيختار مشاهدة الفيلم السينمائي، وكوني محبة للأفلام الجميلة والمعبرة والمؤثرة لن أستغرب خياركم، بل أعدّه بديهياً، ولكنني على مستوى شخصي سأختار قراءة الرواية قبل مشاهدتها في فيلم، والسبب ببساطة متناهية يعود لطبيعة صناعة الأفلام نفسها، فعند صناعة الفيلم والبدء بتنفيذه تكون الحبكة مستوحاة من الطريقة التي تخيل بها المخرج الأحداث والأشكال، ولذلك حينما نشاهد الفيلم نكون متلقين فقط، أما حينما نقرأ الرواية فإن هذا يسمح لنا بأن نتخيل الشخصيات والأماكن ونتذكر الأسماء... حينما قرأت رواية مئة عام من العزلة للروائي الشهير غابرييل ماركيز اضطررت لرسم شجرة العائلة لمعرفة أسماء الشخصيات والتفريق بين الأحفاد والأجداد، ولذلك في الكتب يجب أن يكون العقل في حالة عمل مستمر، أما ميزة الأفلام فتكمن في أنها تختصر كثيراً من الوقت، وهذا ما نحتاجه في زمن السرعة، فالكتاب الذي تنهيه في أسبوع يمكنك مشاهدته فيلماً في ساعتين مثلاً! وحتى لا تغضبكم آرائي، فإنني أؤكد لكم من وجهة نظر شخصية، لا القراءة تغني عن الأفلام، ولا الأفلام تغني عن القراءة.. يقول الكاتب الأمريكي الذي تحولت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية، ستيفن كينغ: «الكتب والأفلام مثل التفاح والبرتقال، كلاهما فاكهة ولكن طعمهما مختلف تماماً»، وبالفعل، لكل نوع من أنواع المنتج الإنساني طعمه وذوقه وطريقته، المهم أن تشعر بالسعادة والمتعة وأنت تشاهد أو تقرأ، تبقى حقيقة أن بعض الأفلام السينمائية جنونية ومؤثرة جداً في النفس الإنسانية حقيقة لا مجال لإنكارها، وتبقى أيضاً الكثير من الروايات قريبة من النفس والروح، بل كأنها جزء من تفكيرنا، ويبقى تأثيرها قائماً بين أنفاسنا. في المجمل فإن للإبداع دوماً الكلمة الفصل، والصوت الأعلى.. المهم أن نتذوق هذا الإبداع ونستلهم منه القيمة الإنسانية ونفهم الرسالة العميقة، وندرك أننا أمام منجز يستحق الاحترام والتقدير.. على الرغم من أن الكثير من الأسئلة تبقى مفتوحة من دون إجابات، ولو تمت الإجابة، فإن مدى القناعة بها تبقى معضلة أخرى، وهذا الإشكال نوع من إفرازات التميز والإبداع البشري.

Email