الحوار الأفريقي الخليجي.. رؤية استشرافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقول الحكمة الإغريقية القديمة «نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نُرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر».

وبما أننا في حوار فكري يؤمن بضرورة احترام الخط الفاصل بين فلسفة العلم وفلسفة الفكر فهو بالقطع سيكون مدركاً لأبعاد الجدال الفكري والسياسي الذي بات يحيط بالجزء الأكبر من القضايا الأمنية والاستراتيجية في القارة الأفريقية، وإن اعتراها النقص حيناً وضعف الموضوعية أحياناً أخرى، وقبل الإجابة عن السؤال الذي طرحتموه حول مستقبل الحوار الاستراتيجي الأفريقي الخليجي أرى أنه من الأهمية بمكان تفنيد أهم المعضلات التي أراها تقف حجر عثرة أمام التقارب «الفكري» الأفريقي الخليجي.

فالمعضلة الأولى تتلخص في عدم قدرة بعض النخب الأفريقية على التفريق بين الحضور الخليجي في القارة الأفريقية والتعاطي السياسي الخليجي للقضايا الأفريقية، والثانية معضلة الباحث والمفكر في دول الخليج العربي في ظل افتقار الذهن الخليجي لمعرفة الخط الفاصل بين الاثنين والتي انعكست وفقاً لوجهة نظر أفريقية على مستقبل البحث السياسي الخليجي في أفريقيا.

بتلك الكلمات الموجزة بدأت حديثي في ندوة «مستقبل الحوار الأفريقي بين دول خليج غينيا وحلفائها»، واعترتني وأنا أشهد جلساتها ولادة فكرية جديدة عززت دون اجتهاد مني رؤيتي العلمية لمنطقة الساحل والصحراء ما كان لي أن أحظى بها وسط هذا الكم من الفوضى الإعلامية.

يرى المكون «الفكري» الأفريقي في عمومه بأن الدور السياسي الخليجي رغم أنه جديد في الساحة الأفريقية إلا أنه بات لاعباً إقليمياً في عدد من الملفات الأفريقية، وتتوافق رؤية هذا المكون مع رؤية النخب السياسية القريبة من دوائر صنع القرار الأفريقي، ويبقى الاختلاف بين المكونين في الآتي.

ففي الوقت الذي يرى فيه المكون الفكري بأن الدور الخليجي في أفريقيا مفتقر للتوصيف إلى حد ما، بسبب امتناع دول الخليج العربي عن التدخل في النزاع الإيفواري المالي رغم متانة العلاقات بين الجانبين، يرى المكون السياسي بأن الدور الخليجي محدد لأهدافه ومستجيب لما تقتضيه مصلحة الطرفين «الأفريقي والخليجي» حتى مع عدم وجود بعثات دبلوماسية خليجية في بعض الدول الأفريقية المعنية.

وهذا الاختلاف بين المكونين أدى إلى ظهور بعض التيارات الشعبية التي تعمل على إثارة التوجس والقلق من الحراك الخليجي مما انعكس سلباً على رؤية الأفريقي لذلك الحراك عززتها بعض المنصات الإعلامية الأفريقية المؤثرة في الرأي العام.

ولتطوير مستوى الطرح العلمي لكافة القضايا الاستراتيجية عملت بعض مراكز الفكر والأبحاث الأفريقية على ربط كافة برامجها بالجامعات الأكاديمية مما نتج عنه ظهور مجموعة من المفكرين الأفارقة يطلق عليهم «المجددون» وهم عبارة عن مجموعة من الأكاديميين تتلخص مهمتهم في إحياء دراسة القضايا السياسية والاستراتيجية السابقة التي لم تلاقِ حظها سابقاً بسبب الظروف الدولية والإقليمية.

ومحاولة ربطها بالواقع السياسي الجديد بعد تطوير منهج البحث العلمي التي خضعت له تلك القضايا والعمل على إبرازها بما تقتضيه المصالح العليا للدولة الوطنية، وأصبح هؤلاء المفكرون اليوم هم الأقرب لرسم المستقبل السياسي لأوطانهم مع انفتاح الأنظمة السياسية الأفريقية على كافة الحلفاء ونبذ استراتيجية الحليف الواحد، مما دفع أحد الأطراف الدولية إلى تشكيل شبكة أكاديمية تابعة لأحد أجهزة الاستخبارات تعمل على إحباط عمل «المجددون»، وعرفت تلك الشبكة في الأوساط الأفريقية باسم «شبكة مونيريال» نسبة إلى «تييري دي مونيريال» مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

تعزيزاً لإنجاح الحوار الاستراتيجي الأفريقي الخليجي مستقبلاً يمكن العمل على الآتي:

- البدء بتدشين الرابطة الأفريقية الخليجية بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي والأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي للاتفاق على وضع أجندتها المستقبلية بما يدعم مستقبل الشراكة بين الطرفين.

- إطلاق المنتدى «الأفرو- خليجي» السنوي، ويتم من خلاله مناقشة القضايا ذات الطابع الفكري التي تسبب إهمالها من الطرفين إلى استمرار الخلط بين الحضور الخليجي في أفريقيا والتعاطي السياسي الخليجي للقضايا الأفريقية، فاستمرار ذلك الخلط سيفضي إلى إفراغ الحوار الاستراتيجي الأفريقي الخليجي من مضمونه وأهدافه وتطلعاته المستقبلية وبالتالي لابد من مواجهة ذلك.

- استنساخ تجربة «المجددون» في مراكز الفكر والأبحاث الخليجية ومحاولة الإطلاع على نجاح التجربة الأفريقية في ذلك، دعماً للبحث السياسي الخليجي في أفريقيا، وتبياناً للخط الفاصل بين الباحث والمفكر في ضوء توسع دائرة الإطلاع العلمي الأفريقي على الملفات الخليجية.

Email