حفظ المعلومات والحضارة والاتصال

ت + ت - الحجم الطبيعي

 قال الفيلسوف الألماني جورج. ف هيغل: «المجتمعات كالأفراد الذين ينقلون شعلة الحضارة من واحد إلى الآخر»، أما العالم أوزوالد سبنجلر، فقد ذهب في كتابه الذي حمل عنوان: انحدار الغرب، إلى أن الحضارة مثلها مثل الإنسان، تولد وتنضج وتزدهر، ثم تموت، وقد أكد على هذا الجانب أيضاً، المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، الذي قال في كتابه تحت عنوان: دراسة التاريخ: «إن الحضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة الناس، وحينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي، على سبيل المثال، الجو الحار الجاف، يجعل الأرض غير مناسبة للزراعة، ويمثل تحدياً للناس الذين يعيشون هناك، ويمكن أن يستجيب الناس لهذا التحدي، ببناء أنظمة ري لتحسين الأرض». 

وإذا كان هناك من العلماء من يقول إن الحضارة تتكون من الاقتصاد وموارده، والسياسة وأنظمتها، والتقاليد الأخلاقية والمبادئ القويمة، ثم العلوم والفنون، فما هذه المكونات إذا لم تكن من لب المعرفة الناتجة عن الاتصال بين مختلف شعوب الأرض، وشغف هذا الإنسان بكل جديد، وبالتطور والاكتشاف؟ وإذا توقفنا عند الاتصال بين الأمم والشعوب، فإننا سنجد في عصرنا الحالي أثراً بالغاً لهذا المفهوم، والسبب أنه عامل مهم في حياة الناس منذ القدم، فقد كان ضرورة في بناء الحضارات وقيامها، بل ساهم في التنوع الثقافي الإنساني وغزارته، هذا على المستوى الاجتماعي والبشري بصفة عامة، أما على مستوى الفرد، فإننا نمارس الاتصال يومياً بطرق مختلفة ووسائل متنوعة، فوسائل التكنولوجيا الحديثة جميعها وسائل ركنها الرئيس الاتصال، وغني عن القول إن الاتصال يستقطع مساحة كبيرة من وقت كل فرد منا، دون أن يشعر، وذلك من خلال أعمالنا اليومية، أو حتى داخل منازلنا، بعض الدارسين في هذا المجال، قدّر نسبة الوقت الذي يمضيه البعض في عملية الاتصال بنحو 90 %، أما مجالات ووظائف الاتصال، فتجدها ماثلة في الوظيفة الثقافية، والتي خلالها يتم نقل المعلومات من جيل إلى الأجيال التالية، بهدف المحافظة على الهوية أو المحافظة على المنجزات والمبتكرات وتطويرها، وهذه العملية تتم بواسطة الكتابة والتأليف، والرصد والدراسة والتحليل والنقد ونحوها، وتوضع في كتب ومجلدات.

وفي هذا العصر، أضيفت وسيلة جديدة للحفظ، سواء من خلال الأرشفة الإلكترونية، إلى أدوات وتقنيات حديثة، وتتطور كل يوم، حتى وصلنا للحفظ على شبكة الإنترنت، وأحياناً تتم عملية الحفظ تلقائياً، ودون حتى أن تطلب هذا.

وهذا الجانب فعلاً دعم وقفز بعملية المحافظة على التراث الإنساني القديم، وساهم في تطوير ثقافة الناس بأهميته، وأهمية صونه للأجيال التالية.. دون شك أن عمليات الاتصال والتواصل بين الأمم والشعوب، ساهمت في بناء الحضارة البشرية، بل قوّت التعاون العالمي بين الناس، وأدت إلى فهم الآخر، وتبادل المعارف، ونقل المعلومات بشكل سريع ومتكامل، وتعتبر حضارة الإنسان مدينة بشكل كامل للاتصال، والثورة التقنية التي نشهدها في هذا العصر، من أهم ملامحها تقنيات الاتصالات.

Email