علاقات متعددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

توجد في حياتنا علاقات متعددة، تبدأ من العلاقة بين الأب أو الأم والأبناء، وصولاً لعلاقات الصداقة مع أقراننا في حيّنا السكني، ثم متواليات من الزمالة التي توثقها حياة المدرسة وأسوارها، والتي تتحول في كثير من الأحيان لعلاقة أوثق من الصداقة الراسخة الضاربة العمق في جذور الروح الإنسانية.

 يواصل الإنسان تعرفه على محيطه، وعلى أفراد المجتمع الذي يعيش وسطه، من خلال بناء المزيد من العلاقات، فنسمع بعلاقة عمل، أو علاقة تم بناء زواياها وأركانها على المصالحة المتبادلة، لا أكثر ولا أقل، وهي علاقة أردنا أو لم نُرِد موجودة، وهي تختلف بطبيعة الحال عن أنواع سامية من العلاقات الإنسانية، مثل علاقة الحب، أو إذا أردنا نموذجاً أكثر حيوية ومصادقية ومسؤولية، سنقول الزواج والارتباط..

أعتقد أن الإنسان في تشييده لكل هذه العلاقات الإنسانية في مسيرة حياته، هو يبحث عن شيء جوهري وقيمي يحتاجه، ففي كل مرحلة عمرية، هو يستبدل علاقة بأخرى، لا يعني هذا أنه يقوض علاقاته السابقة، ولعل خير مثال في هذا السياق، صداقاتنا وما كنا نملأها من قيم الوفاء والإخلاص، وفي غفلة من الزمن، كنا نعتبر أصدقاءنا أثمن وأعظم وأكبر من أي شيء آخر في حياتنا في ذلك الحين، لكننا، وبمجرد أن كبرنا، ونمت أحلامنا، شاهدنا أصدقاءنا يتوجهون في مسالك وطرق مختلفة، ويختارون دروباً لمستقبلهم، تختلف كلياً عما قررناه لأنفسنا، فبدأنا في الابتعاد عن بعض..

قصة إحدى الزميلات، وهي تتحدث عن صديقة رافقتها منذ الصف الأول، وحتى إنهاء المرحلة التعليمية قبل الجامعة، لها دلالاتها في هذا السياق، حيث تقول، عندما توقفنا لاختيار تخصصاتنا أو الكليات العلمية التي سنلتحق بها، فوجئت أنها تتوجه توجهاً مغايراً، لكن المعضلة أن صديقتي نفسها فوجئت باختياري لكلية تختلف عن كليتها.. ببساطة متناهية، كانت كل واحدة منا تنظر للمستقبل، وتخطط له، باختلاف تام عن الأخرى، رغم أننا كنا نقضي معظم أوقاتنا مع بعض.

غني عن القول إن علاقات الصداقة، بل والحب، متعددة، ونهاياتها دوماً مؤلمة، ولم تعد مثل هذه القصص تثير أي استغراب في أوساطنا.. لكننا في هذا السياق، نريد أن نفهم طبيعة النفس البشرية، وتطلعها الدائم والمستمر للتعرف إلى طبائع وأشكال وأنواع مختلفة من العلاقات الإنسانية، يجب أن نفهم أننا نحتاج لحزمة العلاقات على مختلف أنواعها، وفي كل مرحلة عمرية، لعل هذه المتتاليات في العلاقات الإنسانية، هي التي تبني هيكلنا العاطفي، فكلما فقد الإنسان جزءاً من هذه المراحل، عوضها بعلاقة أخرى، المهم في هذا السياق، أن نفهم أننا ندمر أنفسنا إن توهمنا للحظة، أن أي علاقة هي السعادة، وهي البداية والنهاية، إذا توهمنا أن خسارتنا لعلاقة ما، هي خسارة الحياة.

Email