مع انطلاق فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 28» على أرض الإمارات وفي مدينة إكسبو دبي، تجتمع 198 دولة في المؤتمر المناخي الأهم على الأجندة السنوية للأمم المتحدة لمناقشة أبرز التحديات الملحّة في مجال المناخ، وفي مقدمتها التمويل المناخي.
وخطة عمل المؤتمر العالمي تركز هذا العام على 4 مجالات رئيسية هي تطوير آليات التمويل المناخي، وتسريع تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، والحفاظ على البشر وتحسين الحياة وسُبل العيش، وشمول الجميع في العمل المناخي المثمر والمؤثر.
ومع تخصيص يوم التمويل خلال المؤتمر، وبما يتزامن مع «اليوم العالمي للمصارف» الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة في الرابع من ديسمبر من كل عام، يصبح للرسالة التي رفعتها رئاسة مؤتمر «كوب 28» معنى أعمق، بأنه حان الوقت لكي نتحد ونعمل وننجز لتحقيق نتائج ملموسة وفعالة في مواجهة تغير المناخ.
فالمشاريع المرنة مناخياً؛ وخاصة في المجتمعات التي أخذت على عاتقها تعهدات الحياد المناخي والحد من انبعاثات الكربون، تحتاج إلى تمويلات فعّالة ومستمرة تواكب تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، وتسرّع الوصول العالمي للحياد الكربوني المستهدف بحلول منتصف القرن الحالي.
وقد أرست الإمارات نموذجاً عالمياً ريادياً في مجال التمويل المناخي على المستويين المحلي والدولي. فهي تخصص 600 مليار درهم كاستثمارات في الطاقة النظيفة على المستوى المحلي حتى عام 2050، خاصة بعد التحديثات التي أعلنت عنها في الاستراتيجية الوطنية للطاقة النظيفة لعام 2050، وبعد تعهدها بمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030.
وعلى المستوى العالمي، يؤكد إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال افتتاح القمة العالمية للعمل المناخي عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، التزام دولة الإمارات الصادق في تغير المشهد العالمي بمبادرات نوعية تنعكس على البشرية.
هذا وأعلنت دولة الإمارات مساهمتها بمبلغ 100 مليون دولار في صندوق «الخسائر والأضرار» المناخية للتعويض على الدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ، وتخصيصها 200 مليون دولار لتمويل الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة (RST) التابع لصندوق النقد الدولي والإطار المالي الجديد. وهي خطوة سبّاقة تعكس حرصها على دعم تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، من أجل مستقبل أفضل ومستدام للبشرية، ومستهدفات الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة بمواجهة تحديات تغير المناخ.
وتوفر دولة الإمارات تمويلات بقيمة أكثر من 60 مليار درهم (16.8 مليار دولار) في مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم، وخاصة في الدول النامية والمجتمعات الهشة مناخياً في أفريقيا وآسيا، والمناطق الأكثر تأثراً بتداعيات التغير المناخي، لا سيما في دول الكاريبي والدول الجزرية الصغيرة.
وفي شهر سبتمبر من هذا العام أيضاً، أعلنت دولة الإمارات عن مبادرة جديدة لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة في أفريقيا بقيمة أكثر من 16 مليار درهم (4.5 مليارات دولار) بهدف مساعدة القارة الأفريقية على توفير الكهرباء النظيفة في متناول 100 مليون إنسان بحلول عام 2035، وذلك استجابة لواقع أن أفريقيا لا تحصل سوى على 2% من الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة.
هذا النموذج الإماراتي في تمويل مشاريع الاستدامة هو نموذج متقدم يركّز على تحقيق النتائج، ويشكل مثالاً يحتذى به في إحداث تحوّل محوري ومؤثر في تمويل المشاريع المرنة مناخياً التي تضمن مستقبلاً مستداماً للأجيال القادمة والمجتمعات.
لقد أكدت رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28» في دولة الإمارات أن هذا الوقت هو الوقت الأمثل للعمل المناخي العالمي المشترك بتوفير حلول عملية تتعاون فيها كل القطاعات، لأن الوصول لنتائج ملموسة يتطلب مساهمات إيجابية فعلية من الدول، والحكومات، والمنظمات الدولية، والمؤسسات، والشركات، وقطاعات الأعمال، والمجتمعات، والأفراد. ولكلٍ دوره المحوري في تحقيق الهدف النهائي الرامي لاستدامة الكوكب.
ودولة الإمارات تضم اليوم مبادرات رائدة للتمويل المناخي وتطلق منصات واعدة لتداول أرصدة الكربون بما يعزز فرص تمويل الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري ودعم مسار اقتصادات مستقبلية مرنة مناخياً منخفضة الكربون.
وعلى مستوى الشراكات التي يشجع مؤتمر الأطراف «كوب 28» على تعزيزها وتوسيعها أفقياً وعمودياً، تواصل دولة الإمارات عقد شراكات استراتيجية تدعم تحوّل الطاقة واستدامتها للمستقبل كما في الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة لاستثمار 100 مليار دولار لإنتاج 100 جيجاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2035.
وبدورها تحرص وزارة المالية بدولة الإمارات على التعاون مع كافة الأطراف المعنية لتحديد فجوات التمويل المناخي، وتعزيز سياسات تخفيف آثار تغيّر المناخ على تدفقات رأس المال، وتقييم مخاطر الاقتصاد الكلي التي قد تتسبب بها التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتغيّر المناخ.
كما تدعم الوزارة جهود تطوير قطاع التمويل المستدام، والتحديث المستمر للسياسات المالية لمواكبة توجهات التمويل المناخي وتحويل التحديات المرتبطة بتغير المناخ إلى فرص، من خلال تضافر الجهود وتبادل الأفكار والخبرات وتطبيق أنجح الممارسات.
فالتمويل المناخي الداعم للعمل المناخي مسار مهم لتعزيز فرص الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري، لذلك سيتواصل التعاون مع المنظمات المالية الدولية بالاستفادة من فعاليات عالمية بمستوى مؤتمر الأطراف (COP 28) لتحفيز التمويل المناخي المؤثر.
هذا مسار واضح، ترسمه المبادرات والبرامج والمشاريع التي تقودها دولة الإمارات لتسريع مسارات العمل المناخي وتوفير تمويلات مؤثرة خاصةً في المجتمعات الأشد عرضة لعواقب تغيّر المناخ، لتواصل بتوجيهات القيادة الرشيدة دورها الريادي كممكن عالمي للعمل المناخي الذي يحقق النتائج ويحدث فارقاً ملموساً في حياة الأفراد والمجتمعات والكوكب.
وزير دولة للشؤون المالية