المرونة المناخية ركيزة المجتمعات الحضرية المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي التصورات والاقتراحات اليوم لتصميم وإدارة مدن المستقبل والمجتمعات الحضرية وتطوير خدماتها المقدمة لسكانها في أنحاء العالم.

بعضها يركز على النمو الاقتصادي، وبعضها الآخر يبحث عن توفير وتسهيل حلول التنقل المتكاملة، ويضع آخرون جودة الحياة أولوية لتلك المجتمعات الحضرية المستقبلية.

يأتي ذلك، فيما تعلن الأمم المتحدة أن نسبة سكان المدن والتجمعات الحضرية تجاوزت النصف عالمياً منذ سنة 2018 ووصلت إلى أكثر من 55 %، مع توقع المنظمة الدولية أن تتجاوز تلك النسبة الثلثين لتبلغ 68 % بحلول سنة 2050.

ومهما تنوعت تلك التصورات واختلفت تلك التصميمات، هناك قاسم مشترك بينها جميعاً وهو ضرورة تحقيق معايير الاستدامة والمرونة المناخية ركيزة لا غنى عنها لتصميم المجتمعات الحضرية المستدامة ومدن المستقبل الرائدة القادرة على الحد من تداعيات التغيّر المناخي والتكيّف معها.

وترسيخ ممارسات الاستدامة في التفكير التصميمي المستقبلي من المفاهيم الجوهرية التي يركز عليها مؤتمر الأطراف «كوب 28» الذي ينعقد على أرض دولة الإمارات بعدما وجّه دعوة مفتوحة لأكثر من 1000 مدينة لاستشراف مستقبل المدن والمجتمعات البشرية المستدامة.

وفي دولة الإمارات، شكّلت الاستدامة ركيزة راسخة في مختلف استراتيجياتها التنموية، منذ قيام اتحادها قبل أكثر من خمسين عاماً. واليوم تواصل قيادة الدولة هذا المسار الواعي مناخياً الذي أرساه الآباء المؤسسون، وهو ما توجّته قبل عامين بإعلانها عن المبادرة الاستراتيجية لدولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول سنة 2050.

ودبي، حيث تقام فعاليات هذا المؤتمر المناخي الأهم عالمياً بمشاركة المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية وقطاعات الأعمال والشركات ومنظمات المجتمع المدني والمسؤولين والمتخصصين والخبراء من مختلف التخصصات، تواصل ترسيخ موقعها نموذجاً ريادياً لممارسات الاستدامة التي تطورها بشكل تصاعدي ومستمر في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وخدمات ومرافق المجتمعات الحضرية.

وتترجم بلدية دبي تلك التصورات والتصميمات المستقبلية لمدينة عالمية رائدة في مجال الاستدامة عبر مبادرات علمية ملموسة ومبتكرة مثل مشروع التوأمة الرقمية لمدينة دبي، والذي يشكل أداة تكنولوجية متقدمة تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة لقياس البصمة البيئية للمباني والمرافق والخدمات المزمع تطويرها، إلى جانب استشراف الاحتياجات المستقبلية وتوفير الحلول المبتكرة المستدامة لسكان المدينة.

ومن منصة مؤتمر الأطراف «كوب 28»، الذي تشارك فيه بلدية دبي شريكاً استراتيجياً للمسار، ستعرض بلدية دبي النموذج الريادي لدبي ودولة الإمارات في تصميم وتطبيق وتنفيذ مبادرات الاستدامة الرائدة والمبتكرة في دبي والدولة.

وستعلن بلدية دبي في «كوب 28» مبادرات بيئية على مستويات تحقيق الحياد الكربوني في العمليات، والاستدامة الكاملة للمباني، ومضاعفة المساحات الخضراء، وزيادة رقعة المحميات الطبيعية، واستدامة منظومة الصرف الصحي ومعالجتها بشكل كامل، وتطبيق مبدأ صفر النفايات في العقود القليلة المقبلة.

وتهدف بلدية دبي لتحقيق الحياد المناخي في عملياتها بحلول سنة 2050 على عدة مراحل وهي تغيير السياسات، وتغيير السلوكات، وتعزيز كفاءة الطاقة، وتحقيق التحول الكهربائي، واعتماد الطاقة المتجددة، والتقاط وتخزين الكربون، كما تركز بلدية دبي في الحياد الكربوني على عدة مجالات وهي الطاقة النظيفة، والعمل المناخي، والمباني الخضراء، والتصميم المرن مناخياً، والمواد الصديقة للبيئة، وإدارة المياه، وإدارة النفايات.

وتعرّف بلدية دبي جمهور الحدث العالمي بمشروعاتها واستراتيجياتها الشاملة في العمل المناخي وتعزيز الشراكات فيه وتصميم المستقبل المستدام ودعم تحقيق المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي لدولة الإمارات 2050.

وتؤكد بلدية دبي مبدأ الشراكة والتعاون وتبادل المعارف والخبرات بين القطاعين الحكومي والخاص لتصميم مدن ومجتمعات المستقبل المستدامة المرنة مناخياً، القادرة على تحويل التحديات إلى فرص.

كما نرى أن هذا التوجه المستدام يجب أن يشمل الجميع بدءاً بمصممي السياسات وصنّاع القرار ووصولاً إلى الشرائح المجتمعية المختلفة والأفراد، لضمان نجاح نماذج مستقبلية مستدامة للمدن والمجتمعات الحضرية.

وإلى جانب تعزيز الأمن الغذائي والمائي، يشكل تعزيز جودة الحياة في مدن ومجتمعات المستقبل أولوية أخرى عبر توسيع رقعة المساحات الخضراء والمحميات الطبيعية التي تصون التنوّع الحيوي، وترسخ التوازن البيئي، وتحمي الموارد للأجيال القادمة، وهو التزام تحرص عليه بلدية دبي في استراتيجيتها للعقدين المقبلين.

إن توجه الاستدامة الذي تحرص عليه دبي ودولة الإمارات وتسعى لتوسيعه إلى أبعد مدى بالتزامن مع عام الاستدامة وما بعده، سيجعل من مدن المستقبل محركاً لفرص الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، وخاصة مع مشروعات المعالجة المتكاملة لمياه الصرف الصحي للاستفادة منها بشكل كامل، إضافة إلى استراتيجية صفر نفايات، وتسريع تحوّل الطاقة في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية.

هذا التصور المستقبلي واقع ملموس تواصل دبي ودولة الإمارات تحقيقه على الأرض، لتكون نموذجاً عالمياً يحتذى به في تصميم مدن ومجتمعات المستقبل الحضرية المستدامة المرنة مناخياً.

المدير العام لبلدية دبي

Email