أن تكون مؤلفاً وتحاول أن تسخّر نفسك وتفرّغ عقلك وروحك لهذه المهمة ليست بالأمر السهل أو البسيط التي قد يتخيلها البعض، وعندما أقول ليست مهمة سهلة فهذا لا يعني استحالتها لأننا نشاهد يومياً العشرات ممن يقتحمها هواية ورغبة، وبالتالي نشاهد منجزات يتم وصفها بأنها نتاج أدبي، وإن كنت أعتقد بأنه ليس كل من أصدر كتاباً بات تحت قبة المؤلفين، لأننا نشاهد في هذا الزمن تكاثر في الدالفين لهذه الساحة وهذا أمر جميل ويدعو للبهجة، ويبقى النقد الأدبي عليه أن يقوم بواجبه في تقديم المتميز.. كثيراً ما يواجهني سؤال متى سينشر عملك الروائي الثالث؟، وآخرون يقولون بأن الكتابة اليومية والأسبوعية وأيضاً الشهرية في عدة مطبوعات استنزفت طاقتي ولن تسمح بأن أنشر رواية جديدة، وهم محقون في جانب الاستنزاف، لكنني أؤمن أنه بقليل من تنظيم الوقت وترتيب المهام ووضع جدول فإنني أستطيع أن أقدم مشروعاً أدبياً جديداً.
وهنا أبين نقطة أساسية تتعلق برغبة المؤلف في نشر عمل جديد بعد أن نشر عدة أعمال، هذا المؤلف تتلبسه حالة من الهم بأن يكون الجديد مختلفاً ومميزاً وأكثر وهج وحضور، بمعنى أن من يسأل عن روايتي الثالثة، لا يدركون أن ما أفكر فيه هو مختلف تماماً عن نشر عمل روائي وحسب، لأنها بالنسبة لي ليست مهمة تأليف فقط، بل لا بدّ من أحداث مبتكرة وطريقة كتابة مختلفة لأن العمل لا بدّ أن يكون متميزاً وأكثر إبداعاً عن تلك التي سبق ونشرتها، وإذا لم يتحقق هذا فإنني لن أكون قد اكتسبت أي فائدة من تجاربي الروائية والقصصية السابقة، والتي خلالها وجدت النقد وكلمات مديح وأيضاً كلمات التهبيط والتقليل.
المؤلف مسكون بعدة جوانب في عالمنا العربي تسبب له الأرق والكثير من المشاكل، وحتى أبين هذه المشاكل التي تواجه كل مؤلف أستحضر كلمة للمؤلف والمؤرخ جورج جوردون كولتون، حيث قال: «للتأليف ثلاث مصاعب، أن تؤلف شيئاً يستحق النشر، وأن تجد ناشراً أميناً، وأن تجد قارئاً لبيباً غير متحيز»، وأعتقد أن كل واحدة من هذه المصاعب ماثلة في عالمنا العربي بشكل واضح ولا يقبل الشك أو التأويل.
يمكن للجميع أن يكتبوا ويؤلفوا لكنهم قلة ممن يأخذ هذا الطريق كروح وعمق وهم ورسالة معرفية، لا دخل للمباهاة والمظاهر بها.