احذروا الإرهاب في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة متغيرات جديدة تفرض نفسها على الخريطة الأفريقية، خاصة منطقة جنوب الصحراء فمنذ أن توالت قرارات انسحاب القوات الأجنبية من هذه المناطق.

وباتت التنظيمات والجماعات الإرهابية تعيد تموضعها من جديد في هذه المناطق، بل إنها فرضت سيطرتها على مساحات شاسعة، خاصة في مالي وبوركينافاسو.

فضلاً عن سيطرة هذه التنظيمات على مساحة واسعة من إقليم كومباكتو في مالي، الأمر الذي يشكل تحدياً غير مسبوق لحكومة مالي التي طالبت بانسحاب نحو 5 آلاف جندي فرنسي «عملية بورخان» ونحو 13 ألف جندي من القوات الأممية «عملية مينوسما»، وهو ما فرض الكثير من الضغوط والتحديات في كل دول الساحل والصحراء.

وغرب أفريقيا ومنطقة البحيرات وخليج غينيا، أصبحت كل هذه الدول تعاني ليس فقط من التنظيمات والحركات الإرهابية المحلية، بل باتت قبلة للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود مثل تنظيمي داعش والقاعدة، خاصةً أنهما تتسابقان في تأسيس ما يسمى بالمناطق الإرهابية التي تعتمد على حشد الأنصار، وسرقة الأموال من آبار النفط في هذه الدول، وبسط النفوذ من أجل السيطرة وملء الفراغ اللذين تركتهما القوات الأجنبية سواء الفرنسية أم الدولية.

ما يزيد من هذه الأخطار على الدولة الوطنية الأفريقية، هو انهيار التحالف الإقليمي لمكافحة الإرهاب الذي كان يضم دولاً بقيادة فرنسا وألمانيا، مع دول أفريقيا مثل مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، هذا الانهيار داخل التحالف قاد إلى تراجع التعاون الاستخباراتي بين أوروبا وأمريكا من جانب، والدول الإفريقية من جانب آخر.

ومن ثم غابت المعلومات والتقديرات الصحيحة بشأن خرائط تحركات وانتشار هذه الجامعات الإرهابية التي وجدت في هذه البيئة السياسية الجديدة، لاسيما التي خلفتها المتغيرات السياسية داخل أنظمة بعض هذه الدول وفي مقدمتها مالي، وبوركينافاسو والنيجر.

هذا يأتي مُتزامناً مع معاناة الدول الأفريقية جراء التداعيات الخطيرة للحرب الروسية الأوكرانية التي انعكست سلباً على قدرات القارة الشابة سياسياً واقتصادياً وأمنياً في مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية التي استفادت من هذه الظروف بالتغلغل في النسيج الاجتماع الأفريقي.

واستغلال حاجة بعض هذه الشعوب للضرورات الحياتية، ومحاولة القيام بدور الدولة والمنقذ، ومن ثم تنجح أهداف هذه التنظيمات في تعبئة وتجنيد العناصر الإرهابية وتوسيع دائرة الإرهاب إلى دولٍ جديدة مثل كينيا، وبنين، وغينيا بيساو، وغينيا كوناكري.

اللافت هنا أن هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ترى أن الظرف العالمي، وما يموج به من صراع وتنافس وتكالب على مقدرات القارة الأفريقية هو التوقيت المثالي للانقضاض وبسط النفوذ والسيطرة على مفاصل الكثير من مؤسسات الدول الأفريقية، التي تعانى من ضعف المناعة والحصانة بسبب هيمنة الدول العظمى والكبرى على اقتصاداتها ومواردها طوال عقود طويلة، تسبب في تهالك البنية التحتية.

وما يترتب عليه من تراجع للتنمية وارتفاع معدلات البطالة والفقر والجريمة وهو ما لعب دوراً كبيراً في فتح الطريق أمام انتشار الأفكار الظلامية، وتمكين هذه الجماعات من التغلغل داخل المجتمعات الأفريقية الأكثر فقراً.

وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه: ما هي السيناريوهات المتوقعة في أفريقيا وسط تمدد هذه التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود؟!

لا شك أن المخاوف تزداد كلما اتسع نفوذ هذه الجماعات الإرهابية في إفريقيا، بما يهدد بانهيار نظم هذه الدول وتحولها إلى دول فاشلة لا تستطيع القيام بدورها في الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار، وهو ما يفتح الباب أمام المرحلة من عدم اليقين، تخيم على مستقبل هذا الإقليم من قارة إفريقيا.

فضلاً عن أن هناك مخاوف أخرى من ازدياد الجريمة والقرصنة، والهجرة غير الشرعية، وبالتالي فإن وسط هذه التحديات والقلاقل الدائرة الآن، فلا بديل عن ضرورة التحرك الدولي لمساعدة هذه الدول على مواجهة التنظيمات الإرهابية من أجل الحفاظ على الدولة الوطنية الأفريقية، بما يسهم في السلام والاستقرار العالمي، لاسيما أن هناك ارتباطاً وثيقاً ما بين القارة الشابة والسلام والاستقرار العالمي...

ولذا بات التعاون والتضافر بين دول العالم بمثابة معبر إلزامي إلى عالم أكثر استقراراً.

Email