العرب على جبهة أكتوبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر الذكرى الخمسون على نصر السادس من أكتوبر عام 1973، هذه الأيام، تلك الحرب التي غيرت مجري التاريخ العالمي، فهى الملحمة العربية، والمثال الحي على وحدة العرب، والانتصار الخالد لمفهوم العروبة، وانخراط العرب في ميادين المعركة ومسارح العمليات، فها هو التاريخ يحتفظ بأحرف من نور، للدور العروبي الذي قدمه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الشقيقة دولة الإمارات العربية المتحدة، في حرب أكتوبر المجيدة.

فقد أعلن الشيخ زايد عن دعمه حرب العرب، مهما كانت التكلفة، وأصدر حكيم العرب توجيهاته إلى وزير النفط الإماراتي في 1973، الدكتور مانع العتيبة، بعقد مؤتمر صحافي عاجل، للإعلان عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة، قررت قطع إمدادات النفط بالكامل عن الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع الدول الداعمة لإسرائيل، سواء سياسياً أم عسكرياً.

ولا تزال مقولته الخالدة «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، تتوارثها الأجيال، في التعبير عن روح العروبة، ونتذكر جميعاً أن الشيخ زايد، أرسل سرية مشاة ميكانيكا إلى الجيش الثالث الميداني، بقيادة نجله المغفور له، الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات الراحل، عندما كان ولياً لعهد أبوظبي آنذاك، لمشاركة أشقائه المصريين.

ولا تزال الصورة الشهيرة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على الجبهة، تحتفظ بهذه اللحظة التاريخية، ولا تزال كلمات حكيم العرب راسخة في الأذهان، حين قال: «المعركة هي معركة الوجود العربي كله، ومعركة أجيال كثيرة قادمة، علينا أن نورثها العزة والكرامة».

دائرة الدعم العربي تتسع، لنتوقف أمام دور المملكة العربية السعودية، فأثناء اندلاع الحرب، أمر الملك فيصل أمراء ووزراء سعوديين، بالتوجه إلى جبهة القتال، وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصري، وأعلن عن تبرعه بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، ولا يفوتني أن أتوقف أمام هنري كسينجر، الذي أرسلته الولايات المتحدة في زيارة عاجلة إلى الرياض، في 8 نوفمبر 1973، في محاولة لإثناء السعودية عن موقفها الداعم لمصر وسوريا.

ولم تنجح زيارة كسينجر، فالملك فيصل قال بقوة إن «استئناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية، مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة».

وأتذكر الأشقاء في العراق، فقد كانت مشاركته سريعة وقوية، ولمسنا ذلك في اتخاذه قراراً بإرسال سرب من الطائرات الهجومية والقاصفة من نوع «هوكر هنتر»، مكون من عشرين طائرة، لدعم وتعزيز الجبهة المصرية، شارك في الطلعة الأولى للقوات الجوية المصرية، وحقق نجاحاً كبيراً، وكذلك الأمر أرسلت العراق إلى الجبهة السورية، قوة عسكرية من الدروع والدبابات، بالإضافة إلى ثلاثة أسراب ميغ -21، وسربين ميغ -17.

أما مشاركة الجزائر، فأتذكر أن الرئيس الجزائري آنذاك، أجرى اتصالاً مع الرئيس أنور السادات، وأكد له أن كل الإمكانات الجزائرية تحت تصرف القيادة المصرية، قام الرئيس الجزائري آنذاك «هواري بومدين»، بزيارة موسكو في نوفمبر 1973، ودفع 200 مليون دولار إلى الاتحاد السوفييتي، ثمناً لأية أسلحة أو ذخائر قد تحتاج لها مصر أو سوريا، بنسبة 100 مليون دولار لكل دولة.

ولم يغادر بومدين موسكو، حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلاً إلى مصر.

ذاكرة التاريخ لا تخطئ دور السودان، إذ كانت من أوائل الدول التي أعلنت دعمها الكامل لمصر، واستضافت قمة الخرطوم العربية، التي تم الإعلان من خلالها عن ثلاثية «لا»، وهي لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وأرسلت السودان فرقة مشاة على الجبهة المصرية، كما لم تتردد في نقل الكليات العسكرية المصرية إلى أراضيها.

هذا فضلاً عن الأدوار الباسلة والبطولية للأشقاء في الكويت والأردن وسلطنة عمان والمغرب وليبيا وتونس، وصولاً إلى الدول الأفريقية الشقيقة، فهذه الروح العربية الجماعية، وضعتهم في مصاف الأمم الكبرى في تلك اللحظات الفاصلة.

الآن، وبعد نصف قرن، أرى ضرورة استلهام ملحمة أكتوبر، وعروبة العرب، فالتحديات الحالية لا تقل أهمية عن تحديات ما كان قبل خمسين عاماً.

Email