السرد الاستراتيجي للمؤسس.. «القيادة الإنسانية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

النمط الإداري المُسمى بالإدارة الأبوية، الذي يقوم على افتراض أن المدير هو الأب والموظفون هم الأبناء، له جوانب إيجابية ولكنه قد يقيد الحرية الشخصية والقدرة على اتخاذ القرارات الذاتية للموظفين، وفي ظل تطور الأفكار الإدارية والاجتماعية، يمكن أن ننتقل نحو نموذج إداري أكثر تطوراً وهو «القيادة الإنسانية».

وهو منهج إداري حديث يركز على تنمية القواسم المشتركة والترابط القوي بين المدير والموظفين، وتحقيق التوازن بين الاحترام والثقة في العلاقات العملية. يعامل القائد المرؤسين كشركاء وجزء أساسي من عملية اتخاذ القرار، يتم تشجيع المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات المؤثرة على المنظومة والمؤسسة.

تميز الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بنهج قيادي إنساني فريد يشبه الأب والقائد الحكيم الذي يحسن التعامل مع الشعب كأبنائه. وعلى هذا المبدأ، يطلق عليه أبناء الوطن «الوالد». كقائد إنساني، اعتبر كل شعب الإمارات أبناءً له، وكان يهتم برعايتهم وتلبية احتياجاتهم. قام بتوفير الخدمات الأساسية للشعب مثل الصحة والتعليم والإسكان والبنية التحتية.  وما كان يناديهم إلا بأبنائي كما نجد في معظم أقواله: «أدعوكم أبنائي الطلاب إلى التحلي بالأخلاق والقيم»، و«أحث أبنائي المواطنين على الاقتصاد في نفقات الأعراس»، و«يجب أن نعطي أبناءنا اهتماماً خاصاً بمعرفة بلادهم والمناطق التي يعيشون فيها»، و«رجائي في الله وفي إخواني وأبنائي أعضاء الوزارة أن يحرصوا على تقدم الدولة وازدهارها».

كان الشيخ زايد يستمع بصدق وصراحة لمشاكل الناس واحتياجاتهم، ويتفاعل معهم مباشرة. ويجد في ذلك فرحة وبهجة كما يعبر عن ذلك قائلاً: «إنني أشعر بالراحة وبالسعادة البالغة عندما ألتقي بكم وبإخوانكم الذين يحرصون على التزود بالعلم بدرجاته العالية وبلا حدود والآن أستطيع أن أقول: - إنني ربحت ولم أخسر».  ما جعل منه مثالاً للقيادة الإنسانية». كان يتخذ القرارات الهامة بحكمة وعقلانية، مع النظر في مصلحة الشعب ومستقبل الدولة. كما نلمس ذلك في ممارسته: «إن قرار إنشاء المجلس الوطني الاتحادي الذي ترافق مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة لم يأت عبثاً، وإنما كان الهدف منه هو الاستعانة به لتلمس حاجات المواطنين واعتدال حياتهم وعدم الغفلة عما ينقصهم في معيشتهم وفي توفير الحياة الكريمة لهم».

نجاح

في القيادة الإنسانية، تتمثل القوة في توجيه الأفراد وتحفيزهم لتحقيق التقدم والنجاح للفرد والمؤسسة على حد سواء. يسعى هذا النهج القيادي إلى بناء علاقات قوية ووثيقة بين القائد وشعبه وموظفي الحكومة والمؤسسات، مما يعزز التفاهم المتبادل والتحفيز للعمل بجد وإبداع. فقد كان رحمه الله يقول: «إن كل شيء يرتبط بالآخر، فمتطلبات الحياة مثل جسم الإنسان، هل يستطيع إنسان أن يستغني عن عضو من أعضائه؟ ما جعله يتمتع بثقة الشعب في قيادته، وكان يعتبر رمزاً للوحدة والاستقرار في الإمارات والعالم بأسره».

بهذه الطريقة، تظهر القيادة الإنسانية مفهوماً أكثر تطوراً للإدارة، حيث يتم تحقيق التوازن بين الاهتمام بالأفراد وتحقيق أهداف المؤسسة بنجاح وتطور مستدام. تعزز القيادة الإنسانية التواصل الفعّال والشفاف وتشجع الموظفين على المشاركة الفعالة وتقديم أفكارهم وآرائهم للنهوض بالعملية الإدارية وتحقيق التفوق في أداء المؤسسة. وعلى هذا الأساس آمن الشيخ زايد بأهمية تحقيق العدل والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، وكان يعمل على توفير فرص منصفة للجميع. وكلنا نؤمن بقولته: «يعلم الله أنني أعامل شعبي كما أعامل أبنائي، وما أفكر فيه لأبنائي أفكر فيه لشعبي».

وفي نهاية المطاف، يظهر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مثالاً رائعاً للقائد الإنساني الذي يدمج بين الرؤية الحكيمة والقيم الإنسانية السامية لتحقيق التقدم والازدهار للجميع. فهو يذكرنا بأهمية قيادة معطاءة وحكيمة تسهم في تحقيق رفاهية المجتمع وتحسين جودة الحياة للجميع.

Email