يغيب عن الكثير في عالمنا العربي، مفهوم التحدي وطبيعة الأعمال، وكيف نبدأ، وكيف نتغلب على الصعوبات التي تواجهنا، ويخيل إليّ أننا نقوم بمعالجات آنية وقتية لمثل هذه المشاكل، بل نقوم في بعض الأحيان بمد غيمة من الحماية لتغطي أطفالنا، وأسميتها غيمة للدلالة على وهنها وضعفها، فهي قد تحجب ضوء الشمس ولكنها لا تقوى على منع المشاكل والصعاب، بمعنى نحن لا نعلم ولا نثقف أطفالنا حول قيمة العمل وكيفية التغلب على المشاكل وبذل الجهد، وكيف يشقون طريقهم في الحياة، لأننا نحن أنفسنا نفتقد للثقافة اللازمة في هذا المجال، وهذا يشبه مقولة الرياضي الشهير جارث هنريكس: «الشخص الذي ينتظر حدوث شيء ما دون أن يبذل جهداً من أجله قد ينتظر طويلاً».
ولعل في قصة سيدة تسمى «ديبي أكلين» توضيح لما أريد الوصول له، حيث كانت أمها تخبرها دوماً «لا يمكن للمرء أن ينجح إلا إذا حاول» وقد سمعت ديبي، من أمها هذه الجملة مرات عديدة خلال فترة طفولتها أو عندما تحاول تشجيعها لعمل شيء ما.
هذه السيدة مرت بالعديد من المشاكل أثناء محاولتها البحث عن عمل لتسد به احتياجات عائلتها، خاصة بعد أن تم تسريح زوجها من وظيفته، وأثناء التفكير والبحث تذكرت أنها قامت بإعطاء درس في الحاسب الآلي، في إحدى مدارس العاصمة، وقد أبلغتها إحدى صديقاتها أنها كانت رائعة في ذلك، ثم تذكرت مقولة والدتها «لا يمكن للمرء أن ينجح إلا إذا حاول» لكن كانت المشكلة لدى ديبي هي كيف وأين ستبدأ، لذا اتخذت القرار ووضعت خطه، وكانت أول خطوة هي البحث عن قاعة اجتماعات، وبعد تأمينها، ذهبت إلى الغرفة التجارية لتحصل على قائمة بعناوين الشركات المحلية، ثم نقلتها إلى الحاسب الخاص بها، وقامت بتصميم منشورات دعائية وأرسلتها لجميع الشركات، كانت تلك مجازفة خطرة خاصة لأنها صرفت من المدخرات القليلة المتبقية لديها.
لم تكن متأكدة من نجاح الأمر لكنها تذكرت مقولة والدتها، لذلك هي مجرد محاولة، انتظرت ديبي الردود ليومين، وفي اليوم الثالث استلمت أول رد، فتحت الظرف فوجدت بداخله شيكاً وطلب تسجيل لفردين، لم تصدق، وقد كانت بحاجة إلى عشرة أفراد لتغطية مصاريفها، خلال أسبوعين تلقت المزيد من الشيكات والطلبات، وفي أول حصة لها كان عدد الطلاب سبعة عشر، قامت بتأجير أجهزة الكمبيوتر، ولتوفير نفقات التوصيل والتركيب، قام زوجها بمساعدتها، وفي يوم التدريب خرجت هي وزوجها وأخذوا أجهزة الكمبيوتر واستغرقوا الساعة التالية في إخراج الأجهزة وتحميل البرامج عليها.
كانت متوترة وتقول في نفسها: ما الذي أفعله.. سوف يطالبني هؤلاء باسترداد أموالهم.
وعندما حان الوقت واكتمل عدد الطلاب في غرفة الاجتماعات، دخلت ديبي وابتسمت ثم قدمت نفسها لهم وراجعت القائمة، بذلت قصارى جهدها لتظهر أنها منشغلة بالاستعداد لتجهيز الدرس، ثم أخذت الأوراق ووزعتها على الطلاب وبدأت الشرح، خلال دقائق أثناء الدورة بدأت تسترخي وتتخلص من التوتر الشديد، شرحت لهم المادة العلمية ومرت الساعات بشكل سريع.
انتهت الدورة وجاء زوجها ليساعدها بتفكيك الأجهزة فركضت نحوه وهي تقول: لقد أعجبتهم الدورة، وسألوني إذا ما كنت أقدم دورات أخرى ليتمكن زملاؤهم في العمل من الحضور. استمر زوجها بدعمها ومساعدتها واستمرت ديبي بإقامة الدورات، لم تكن تسعى للثراء، لكنها كانت تسدد الديون، وقد ارتفع مستوى عائلتها مادياً، توسعت بهذا المجال بشكل كافٍ لتحصل على ترخيص تجاري وتقوم بتركيب خط هاتف تجاري، وقامت بشراء ثلاجة جديدة، كما أنها قامت بتسديد تكاليف سيارة جديدة، وبعد ذلك كله أيضاً، حصلت هي وزوجها على دوام رسمي منتظم، أخبرها مديرها في العمل أن الشيء الذي جعل سيرتها الذاتية مميزة هو خبرتها في التدريب وحقيقة أنها كانت تدير عملا خاصاً بها بنفسها، مما يشير إلى قدرتها على التعامل مع المشاريع والأعمال التي تحتاج إلى توجيه ذاتي، استمرت ديبي بالعمل في تلك الشركة لستة عشر عام، وفي كل يوم كان يوجه إليها بتنفيذ مشروع صعب أو جديد كانت تسمع صوت والدتها عندما قالت «لا يمكن للمرء أن ينجح إلا إذا حاول».
إنها الثقافة التي يجب أن نغرسها في أفئدة أطفالنا، هي الطاقة والزاد الذي سيصل بهم لشط الأمان. الإبداع والتميز يعنيان المعرفة، يعنيان بذل الجهد للتعلم والصبر على التحديات والصعاب، من هنا يولد الموهوبون والمتميزون والمبتكرون، ومن هذا الطريق يأتون، فإذا أردنا لأطفالنا السير على هذا الطريق فلنعلمهم ثقافة الاعتماد على النفس منذ نعومة أظفارهم.