المحتوى الإلكتروني أمانة ومسؤولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

انعكست تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على حياة البشر، وأحدثت ثورة في طرق التواصل والتفاعل، والتأثير والتأثر، بما تحمله هذه المنصات من ميزة إنشاء المحتوى ونشره، وبما يحمله ذلك من إيجابيات وسلبيات.

فبقدر ما يتيح ذلك من مشاركة العلم والمعرفة والأفكار الهادفة واكتساب الوعي والتسويق السليم للمنتجات والفعاليات والوصول إلى الشرائح المستهدفة بأسرع الطرق فإنه يتيح في المقابل أضداد ذلك من المعارف الزائفة والأفكار الهدامة والسلوكيات غير المسؤولة والجرائم الإلكترونية المختلفة.

تسونامي من المحتويات الإلكترونية التي تتقاذفها منصات التواصل الاجتماعي في كل وقت وحين، والتي أصبحت ميادين للتنافس من قبل الكثيرين في نشر محتوياتهم لأغراض عدة، سواء أكانت لأغراض تسويقية أم ربحية أم ترفيهية أم توعية أم غيرها، وخصوصاً مع استعانة بعض أصحاب الأعمال بمؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، للاستفادة من قواعدهم الجماهيرية الكبيرة في ترويج منتجاتهم وفعالياتهم.

ومع بحث بعض المستخدمين عن طرق الربح من هذه المنصات بنشر المحتويات وزيادة المتابعين، كل ذلك يضع على عاتق صانع المحتوى مسؤولية كبيرة، في مراعاة المعايير المهنية والقانونية والمجتمعية فيما يصنع وينشر، وألا تجرفه الرغبة في زيادة عدد المتابعين والمعجبين والحصول على الربح والشهرة وغير ذلك إلى دهاليز مظلمة من المحتوى غير المسؤول.

وأول ما ينبغي على صانع المحتوى الإلكتروني أن يضع نصب عينيه أن يوقن أن المحتوى الإلكتروني أمانة ومسؤولية، وأنه مسؤول مسؤولية كاملة عما ينشره أمام الله تعالى.

ومن أيقن أنه مسؤول عما يكتب وينشر حرص على جودة المحتوى وسلامته، واستفرغ جهده ووسعه في الانتقاء والتدقيق، واستخدم قاعدة:

فكر قبل أن تنشر، سواء أكان التفكير متعلقاً بسلامة المحتوى وجودته أم عواقب النشر ونتائجه، وخصوصاً وأن النشر الإلكتروني أسرع انتشاراً وأكثر اتساعاً وأقدر على البقاء لفترة طويلة، وهو أقرب إلى متناول أيدي الجميع، فيكون قابلاً للمشاركة والنسخ وإعادة النشر إلى ما شاء الله، وقد يغادر صاحبه الدنيا ولا تزال محتوياته يعاد نشرها، في عالم افتراضي لا تحده حدود مكانية ولا زمانية، وقديماً قال الشاعر:

وما من كاتبٍ إلّا ستبقى... كتابته وإن فنيت يداهُ

فلا تكتب بكفّك غير شيءٍ... ‌يسرّك ‌في ‌القيامة ‌أن ‌تراهُ

ومن مظاهر التحلي بروح الأمانة والمسؤولية مراعاة القوانين الإلكترونية، التي سنت للمحافظة على سلامة المجتمع، وتهدف إلى مكافحة جميع أنواع الجرائم الإلكترونية التي تخل بأمن المجتمع واستقراره وتعايشه ووئامه، فلا يعتدي أحد على أحد عبر هذه الوسائل الإلكترونية، ولا يتجاوز أحد الخطوط الحمراء في صناعته المحتوى الإلكتروني.

فيعتدي على القيم المجتمعية والثوابت الأصيلة، ويسيئ إلى مجتمع بأكمله فضلاً عن الإساءة إلى الأفراد، بل عليه أن يكون مبدعاً في محتواه، ملتزماً بالقوانين التي تضمن سلامته وسلامة الآخرين، مراعياً ثقافة المجتمع وقيمه.

ومن مظاهر التحلي بالمسؤولية كذلك أن يتذكر ناشر المحتوى أنه مسؤول فيما يصنع وينشر عن سمعته وسمعة أسرته ومجتمعه ووطنه والبلد الذي يقيم فيه، وخصوصاً إذا كان يتمتع بعدد كبير من المتابعين، وقد يكون بعضهم من دول وجنسيات عدة، فضلاً عمن يستخدمون هذه المنصات للمرور على المحتويات وتصفحها من غير المتابعين والذين ينتمون إلى بلدان مختلفة، فينعكس ما ينشره على نظرتهم تجاهه وتجاه المجتمع والوطن الذي يعيش فيه، فعليه أن يكون خير سفير لهذا المجتمع والوطن، يعكس أجمل قيمة وأنصع صورة وأرقى محتوى.

ومتى فقد ناشر المحتوى الإحساس بروح الأمانة والمسؤولية انجرف يميناً وشمالاً، واختلت أهدافه، وانحرفت وسائله، واتبع أي وسيلة لتحقيق ما يريد، فربما استهدف مجرد الإثارة والجذب والربح بأي وسيلة وطريقة كانت، فيلجأ إلى أفكار غريبة وسلوكيات عجيبة ومحتويات شاذة، فلا يجد نفسه إلا واقعاً تحت طائلة القانون، مرتكباً جريمة من الجرائم الإلكترونية دون أن يشعر، متسبباً في سخط المجتمع عليه.

إن المعايير المهنية والأخلاقية والتحلي بروح الأمانة والمسؤولية صمام أمان، يجب أن ينضبط بها صانع المحتوى، ليكون قدوة للآخرين في جودة ما ينشره وفق أرقى القيم الحضارية.

* كاتب إماراتي

Email