التطرف فتيل لإشعال الفتن

ت + ت - الحجم الطبيعي

التطرف من أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان في مقتل، في عقله ورشده وفكره وتوجهاته وسلوكه، وتخطفه لترمي به من وادٍ أسود قاتم، إلى وادٍ أشد سواداً وقتامة.

حيث لا يملك الإنسان أي ضوابط ولا معايير ولا بوصلة تدله على الطريق، فهو يتخبط في دهاليز التطرف دون هدى، يسيء إلى نفسه وإلى الآخرين، دون أي مراعاة لمبدأ.

ومن أشنع مظاهر التطرف، ما قام به بعض المتطرفين في السويد، من التجرؤ على إهانة المصحف الشريف، في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وأمام مسجد من مساجد الله، ليستفز بذلك مشاعر أكثر من ملياري مسلم حول العالم.

بما في ذلك المسلمين في السويد، بعد أن كان في سالف أيامه عضواً في بعض الميليشيات المسلحة، وإذا به اليوم يرتمي في أحضان بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في السويد، ويعلن نفسه ملحداً، ينشر الكراهية والإساءة إلى مقدسات الآخرين، دون أي مراعاة لأية مشاعر إنسانية، ويستمر في غيه، فيدعو إلى هدم المساجد، في خطاب أسود، مسلسل بالتطرف والكراهية والتحريض.

إن هذه الواقعة لتؤكد خطر التطرف، وكيف أنه يلقي بصاحبه إلى دهاليز معتمة، لا يبالي فيها بأحد، بغية أن يتحصل على مكاسب زائفة، فينتقل من هذا التنظيم المتطرف، إلى ذاك الحزب المتطرف، ويجعل من نفسه فتيلاً لإشعال الفتن والصراعات الطائفية وإهانة المقدسات، يستغله المتطرفون أينما كان، ويستغل هو أمثاله من المتطرفين.

وهكذا هو التطرف، بعضه من بعض، وإن اختلفت أقنعته وألسنته، إلا أن غايته ونتيجته واحدة.

والعجب العجاب، أن يصنف مثل هذا التطرف حرية رأي وتعبير، يحاط بسياج من القانون الذي يحميه، بينما هو يتضمن أشنع الإساءات، والأذى إلى ملايين البشر حول العالم، وهل حرية التعبير في إهانة الآخرين واستفزازهم ونشر الكراهية والتحريض؟!

ولذلك لم يكن من العجب أن رأينا كيف أن كثيراً من المتطرفين جاؤوا من تلك البقاع، التي تغلو في الحريات الفردية، وتنشر الكراهية والتطرف بدعوى حرية التعبير، فيجد فيها المتطرفون ملاذاً آمناً لتلقِّي الأفكار المتطرفة ونشرها، سواء كان تطرفاً دينياً أو لا دينياً، فكلاهما وجهان لعملة واحدة.

كما أن ذلك أتاح الفرصة أيضاً للأحزاب اليمينية المتطرفة، لتتمدد وتنتشر، وتنشر روح الكراهية والعداء في مجتمعاتها، وفي العالم أجمع، وتتلقَّف بعض ضعاف النفوس من المتطرفين، ليقوموا بالممارسات المسيئة للآخرين، كوقود لسياساتها.

إن التطرف يقود إلى التطرف، وتلك حقيقة وواقع، ومن مظاهر ذلك، أن يسيء الشخص إلى الدولة التي ولد فيها وحمل جنسيتها، فينسلخ من أي مظهر من مظاهر الولاء والانتماء، بل والاحترام للدولة التي انتمى إليها، وتنتمي إليها عشيرته، لأن مفهوم الدولة والمواطنة، لم يعد له وجود في قاموس المتطرف.

فإذا كانت «داعش» تنسف هذا المفهوم نسفاً، فكذلك المتطرف اللاديني، الذي يرفض الانتماء لوطنه، بدعوى أنه ولد فيها بالصدفة، فهو يزعم أنه وجد في الدنيا صدفة، وولد في هذه الدولة صدفة، وترعرع في هذه الأسرة صدفة، فلا معنى للحياة عنده.

ولا ولاء لوطن، ولا انتماء لأسرة، بل واقعه ضياع في ضياع، ولذلك، فما أسهل أن يرتمي في أحضان أمثاله من المتطرفين، الذين يجدون فيه صيداً رخيصاً، يستخدمونه في تحقيق مآربهم المتطرفة، وأجنداتهم المسيئة، وهكذا يفعل التطرف بصاحبه.

إن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى مكافحة التطرف بكافة أشكاله، وإحلال منظومات حضارية، تعزز السلم الاجتماعي، وترسي دعائم الاستقرار العالمي، وتكف أيدي من يلعبون بالنار، ويصبون الوقود على التطرف والكراهية، لتتطاير شررها في كل ناحية.

ومن واجب الحكومات ألا تسمح بمثل هذا العبث، لما تنطوي عليه من مخاطر وأضرار، وأن تتأسى بغيرها من الدول والحكومات التي سنت القوانين الرادعة لمكافحة الكراهية والتمييز والعنصرية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سنت عدة قوانين لمكافحة التطرف والكراهية، بما يصب في مصلحة الأمن والاستقرار، وتعزيز القيم الحضارية التي تصون الحقوق، وترسخ الوئام والتعايش بين مختلف أطياف المجتمع.

* كاتب إماراتي

Email