إدارة الأزمات الشخصية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمر الإنسان في حياته بظروف متعددة الأشكال والتأثير، بين رخاء وشدة، ويسر وعسر، ولذلك فهو أحوج ما يكون إلى حسن إدارة هذه الظروف والأزمات، والتعامل الحكيم معها، مستمداً القوة من إيمانه بالله تعالى ويقينه وصبره وتمسكه بأحبال الأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله، ليصل إلى ذلك الكنز الذي يبحث عنه العقلاء في كل زمان ومكان، وهو سعادة القلب وطمأنينة النفس والروح، فلا تُفقده تلك الأزمات صوابه، ولا تُغرقه في دوامة الهموم المفرطة والأحزان الممرضة.

ومن أهم هذه المفاتيح لإدارة الأزمات الشخصية التعامل الإيماني القويم مع أقدار الله تعالى التي تنزل بالإنسان، وأول ذلك أن يعلم علم اليقين أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما كتبه الله عليه لا يملك دفعه وإن اجتمع أهل الأرض جميعاً معه على ذلك، وخاصة فيما سعى لتحصيله، وبذل كل ما أمكنه من الأسباب للوصول إليه، فوقع الأمر على خلاف ما تمنى وسعى، أو فيما يعترض طريقه من الظروف والأزمات التي لم تكن له في حسبان، فإذا استيقن أن ما وقع تقدير من الله تعالى، وفوَّض إليه أمره، نال سعادة القلب وطمأنينة النفس والروح.

ومن ذلك أيضاً أن يعلم الإنسان أنَّ القدر الذي أصابه وقع لحكمة وتدبير، ولم يقع عبثاً واعتباطاً، وأن فيما أصابه خيراً له في عاجله وآجله، فيحسن الظن بربه، ويعلم أن في طيات المحن منحاً عظيمة، وأن في تدابير الله حكماً جليلة، وأن في قدره أسراراً باهرة، قد تظهر للإنسان بعض تجلياتها وقد تخفى، فيترقى في مراتب الصبر والرضا، فكأنه ما به شيء، وكم من إنسان إذا جالسته وجدته طيب النفس منشرح الصدر بشوشاً رغم ما به من أزمات، فإذا ذهبتَ تخفف عنه وتواسيه وجدت كلامه كله أمل وتفاؤل وثقة بالله، وكأنه الذي يواسيك، وهل أعظم من نعيم النفس والروح؟!

ومن ذلك أن يتمسك الإنسان بالأمل والتفاؤل وانتظار الفرج، ويلازم الثقة بالله، فيوقن أن ما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد المرض إلا العافية، وما بعد الحاجة إلا الغنى، وما بعد انسداد باب إلا انفراج باب آخر، وهكذا شأن الأزمات مهما اشتدت فإنها تنفرج بإذن الله تعالى.

ومن الجوانب المهمة في إدارة الأزمات الشخصية الحكمة في التعامل معها، وخاصة ما يتعدى منها إلى غيره، من زوجة أو زوج أو أبناء أو إخوة أو أقارب أو أصدقاء أو زملاء عمل أو جيران أو غيرهم، فيحرص على معالجة أسباب الأزمة مع أي طرف من هؤلاء، وقد يتطلب الأمر منه المبادرة من تلقاء نفسه، وربما احتاج الأمر إلى تقديم بعض التنازلات في سبيل إصلاح هذه العلاقات، وتكون الثمرات الإيجابية التي تترتب عليها أعظم مما قدمه من التنازل، ومن أهم مظاهر ذلك احتواء الأزمات الأسرية بين الزوجين، وإطفاء أي نيران تنشب فيها، لكي لا تتطاير شررها، وذلك بضبط النفس، والسيطرة على الغضب والانفعالات، وحسن الحوار، وإعمال العقل، وتغليب المصالح الكلية.

وفي مقابل ذلك فإن سوء إدارة الأزمات الشخصية قد يلقي بالإنسان في أودية سحيقة، فقد يؤدي به إلى هدم علاقات، وتدمير صداقات، والوقوع في أزمات نفسية، وتدمير الذات، ويصبح فريسة سهلة للإدمان والمخدرات وغيرها.

إن الإنسان بطبيعة الحال لا يستطيع أن يهرب من الأحزان والهموم هروباً مطلقاً، بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، فهذا ضرب من المستحيل، ولكن إذا أصابه شيء من الهم أو الحزن صبر، واحتسب الأجر والثواب عند الله عز وجل، فإن المؤمن يثاب حتى على الشوكة التي تصيبه، فيعالج هذه العوارض بمثل ذلك حتى تزول، ولا يسترسل معها، فيتقلب بين الخواطر والهواجس والوساوس والتفكير السلبي، فتتسع دائرة الحزن والهم، ويصبح الحزن أحزاناً والهم هموماً، ولو علم أن الاسترسال مع الهم والغم لا يقدم ولا يؤخر، وأن السخط على القدر لا ينفع وأعمل العقل لسد هذا الباب، ووقف بباب الله تعالى متعلقاً بأستار الصبر والرجاء والأمل والتفاؤل والتوكل والدعاء، ولم ييأس من روح الله، ولم يستسلم، فيزول همه، وتُفرَّج كربته، ويبيت سعيد النفس، هانئ البال، فائزاً برضا الله تعالى.

Email