السعادة لم تكن في يوم من الأيام مرافقة للمال فقط، بل السعادة تتحق بالكثير من الأسباب الأخرى في حياتنا مثل العلاقات الإنسانية والمحبة والعطاء، هناك دراسة توصلت إلى أن العطاء يمكن أن يعزز الصحة العقلية والجسدية.
تظهر الأبحاث أن أولئك الذين يستمتعون بالعطاء ويتطوعون لمساعدة غيرهم، إنهم يعيشون لفترة أطول وحياة كلها سعادة، فالعطاء لم يكن في يوم من الأيام فقط في المال، بل يمكنك تقديم المساعدة بالتواضع وحسن الخلق والوفاء بالوعد وصلة الرحم ومساعدة المحتاج والابتسامة وإكرام الضيف والرحمة على الصغير والعطف على الكبير، قال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَأَمرُكَ بِالمَعرُوفِ وَنَهيُكَ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرشَادُكَ الرَّجُلَ في أَرضِ الضَّلالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الأَذَى وَالشَّوكِ وَالعَظمِ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِفرَاغُكَ مِن دَلوِكَ في دَلوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ».
لقد توصلت الدراسات أن الإنسان حينما يعطي فإن ذلك يؤثر عليه نفسياً، والسعادة لا تأتي بالأخذ بل تأتي بالعطاء، يقول أحد الحكماء: «عندما تتصدق على أحد المحتاجين فأنت لا تنفق نقودك بل ترسلها إلى نفسك في زمنٍ آخر».
إن المال يعتبر عاملاً مساعداً من ضمن جملة من العوامل العديدة الأخرى التي تساعدنا في موضوع العطاء، وكما أسلفت سابقاً، فإن للعطاء أهمية كبيرة ولا ننسى خصاله العظيمة وفوائده الكثيرة للإنسان، فهو سلوك إيجابي يغمر يومنا بالفرحة والسعادة ويؤثر على جميع مفاصل حياتنا.
أتذكر في فترة طفولتي كانت تسكن بجوارنا سيدة كبيرة ووحيدة، ولكن اعتاد الجيران على الاطمئنان عليها كل فترة، وكانت والدتي ترسلني كل يوم تقريباً بصحن الغداء مع بعض الفواكه إليها، وكانت السيدة تفرح كثيراً بذلك فتضع في جيبي الكثير من الحلويات والشوكولاته، ولم أنسَ حتى هذه اللحظة دعاءها وفرحتها وسعادتها عند رؤيتي في منزلها، كانت تفرح بالأشياء البسيطة، وكانت سعادتها تجعلني أتقافز من الفرح والسرور؟ نعم تلك التجربة علمتني كيف يمكن أن ننشر الفرح بتفاصيله الصغيرة في حياة الكثير، فالفقر لا يمنع العطاء، لأن ما تقدمه من مشاعر صادقة كالأمانة والإخلاص وحب مساعدة الآخرين ونحوها فضائل يستطيع الجميع القيام بها دون أي تحديد للمستوى المعيشي أو الدرجة المادية، وهذا ما قالته الكاتبة الألمانية آن فرانك: «لم يصبح أي شخص فقيراً بسبب عطائه» إن العطاء قيمة إنسانية بالإمكان جعلها مستدامة بالحب والكرم ونشر الفرح في مجتمعاتنا.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يختصر سلوك العطاء في جملة رائعة «العطاء قيمة إنسانية عظيمة.. نستشعر قدرها وأهميتها عندما نراها تغير وجه المعاناة وتحوله إلى أثر طيب بحياة المحتاجين».