البعض منا، وخلال مسيرته الحياتية، يرتكب أخطاء غير مبررة أو غير مفهومة، ولا يمكن التكهن بنتيجتها مستقبلاً، وبالإمكان تجنبها وعدم الوقوع فيها، من شدة بديهيتها ووضحوها، ورغم هذا، فإنها تكون مكلفة من الجهد والوقت والمال والهمّ النفسي.
عندما كان بنجامين فرانكلين، وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، في السابعة من عمره، ارتكب غلطة ظل يذكرها حتى بلغ السبعين من عمره، فقد وقع في حب وغرام مزمار، واستولت عليه فكرة الحصول على هذا المزمار، فذهب إلى محل اللعب، ووضع أمام البائع كل ما يملك مقابل هذا المزمار، دون أن يعني حتى بالسؤال عن ثمنه!
ورغم مضي سنوات على الحادثة، ولكن بنجامين كتب لصديق له عن الحادثة «لقد عدت إلى البيت، بعد أن ابتعت ذلك المزمار، والدموع لا تسعني من الفرح والسرور، فلما علم إخوتي الكبار بالثمن الذي دفعته في هذا المزمار، ضحكوا مني ساخرين بالثمن الذي دفعته فيه، فلم يسعني إلا أن أبكي حنقاً، وقد مضت الأعوام، وأصبح فرانكلين شخصية بارزة، وسفيراً لأمريكا في فرنسا، ولكنه لم ينسَ أنه دفع ثمناً باهظاً في مزمار زهيد القيمة، ولكن تعلّم فرانكلين قيمة الدرس، فقد أثر عنه قوله «كلما كبرت وأوغلت في خضم الحياة، وتأملت في تصرف الرجال، رأيت كثيرين يدفعون ثمناً باهظاً في مزمار زهيد، وإني لأرى أن جانباً كبيراً من شقاء الإنسان، مردّه سوء تقديره لقيم الأشياء.
إننا أحياناً نسمم حياتنا بأشياء تافهة، وقد نسببها لأنفسنا بأيدينا، فنضيع علينا جمال الحياة ورونقها.. أسوق مثالاً على ذلك، يؤكد كلامي، فالكثيرون يعيشون في ظل مشكلات كثيرة تافهة، والبعض من الأزواج يعيش في «قصة مزمار فرانكلين»، بمعنى كل واحد منهما يلقي اللوم على شريكه، دون تقدير لقيمة الأشياء والعلاقات الإنسانية وسنوات العِشرة والزواج والأطفال، البعض منا ينشغل بالتوافه، ويتجادل حول أمور لا تفيد ولا قيمة لها، إن الناجحين لا يهدرون الوقت ولا الجهد، بل يستثمرون الوقت.
وصدق المؤلف جيلبرت ك.شيسترتون، في كلامه «الهدف من الحياة هو التقدير، فلا معنى لعدم تقدير الأشياء، ولا معنى لامتلاك المزيد منها، إذا كان لديك تقدير أقل لها».
لا تكن من الذين يخسرون حياتهم، ويدفعون ثمناً باهظاً لحياة وعمر ووقت، فذلك المزمار الزهيد، لا يستحق منك المبالغة وعدم تقدير الأشياء.