دروس استراتيجية المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور عشر سنوات على ثورة 30 يونيو عام 2013، قفز إلى ذهني سؤال: ماذا سيكون شكل الإقليم العربي لو لم تحدث هذه الثورة الوطنية العارمة؟

في الحقيقة ذهب خيالي إلى ما هو أبعد من الظلام، وطاردتني المشاهد الرجعية، فلو استمر حكم جماعة الإخوان الإرهابية لمصر، لتمكنت من طمس الهوية العربية، ومزقت خرائطها، وبات العرب وطناً للجماعات الإرهابية، وتنظيمات العنف من كل أنحاء العالم.

ثورة 30 يونيو، أعادت الروح للدولة المصرية، وللمنطقة والإقليم، فالمعلومات والوثائق تؤكد أن التنظيم الإرهابي، كان يخطط للتوسع في التمكين والسيطرة، وهدم مفهوم الدولة الوطنية، وتوحيد مشروع المرشد ليصبح متحدثاً باسم كل الشعوب العربية، فلعلنا نتذكر القوانين المكبلة، التي أصدرتها الجماعة من أجل إقصاء الآخرين، والاستحواذ على كل مفاصل الدولة، وتمكين أفراد الجماعة، من جميع المناصب، وتوزيع المغانم والمكاسب، على أنصارهم فقط، دون باقي المصريين، عاثوا في أرض المحروسة فساداً، خططوا للقفز إلى كل الدول العربية دون استثناء، انتظروا اللحظة، وانطلقوا حيث ظنوا أن الوقت في صالحهم، لاسيما أنهم كانوا يعتقدون أن حكمهم سيستمر خمسمائة عام، جاءوا من الخنادق فلم يتآلف معهم الشعب المصري، انتقلوا إلى العمل في النور، لكنهم احتفظوا بألاعيب الظلام، ففشلوا في التعامل مع الشعب المصري، واتخذوه خصماً لهم، كيف تستقيم الحال؟ من يحكم بات في خصومة مع شعبه، لم يقرأوا التاريخ، اكتفوا فقط بتعليمات مرشدهم، تعاملوا مع دولة بحجم مصر، باعتبارها شعبة داخل الجماعة، أخطأوا في الحسابات، لم يعرفوا مصر ولم يعرفوا شعبها، حقاً إنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين.

تمددت مؤامراتهم إلى الخرائط العربية، حاولوا زرع وكلاء وخلايا وأذرع لهم، في دول الإقليم العربي للانقضاض عندما يحين الوقت، خابت أحلامهم، كان الشعب المصري هو المبادئ والمبادر حفاظاً على هوية دولته الوطنية، خرج الملايين إلى الشوارع وقرروا عدم العودة دون عزل حكم الإرهابية، وضع الشعب المصري خط النهاية، وتخلص من الحكم الفاشي، ليعيد مصر إلى قواعدها كدولة لها هويتها، وريادتها وشخصيتها، التي لم ينجح الاستعمار في اختطافها.

هذا النموذج المصري العظيم خلال ثورة 30 يونيو، لم ينقذ فقط الدولة المصرية، بل نجح أيضاً في منع هذه الجماعة الإرهابية من التسلل إلى حكم الدول العربية، رأينا ذلك حقيقة واقعية في فشلهم، في الحصول على الأغلبية في البرلمان الليبي، ونجح الشعب التونسي في الخلاص من حكمهم، وبات البرلمان التونسي الحالي دون إخوان، فضلاً عن فشلهم الذريع في الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة، وخسارتهم الكاملة في سوريا، برغم الدعم الكبير لهم من قبل أطراف دولية فاعلة وكبيرة، كل محاولاتهم باءت بالفشل، لتتأكد أهمية وضرورة ثورة 30 يونيو الوطنية، لشطب هذه الجماعة من الوجدان الوطني العربي.

الآن وبعد عقد مضى، نتأمل الصورة الكاملة، لنتوقف أمام هذه الثورة العظيمة التي من دونها، لكانت هذه الأمة تعيش تحت سيف الدواعش، وتأتمر بأوامر التكفيريين الظلاميين ولتحولت عقول الأجيال الجديدة، إلى قنابل موقوتة، يحركها التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، فضلاً عن مشروعات التقسيم الكبرى التي رسمها برنارد لويس، وجورج سوروس وتماهت مع مشروع الإخوان العابر للحدود، والذي كان يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات، منزوعة الهوية والوطنية، فلا ننسى ويجب ألا ننسى أن هذه الجماعة الإرهابية، كانت تنظر للأوطان، باعتبارها مجرد «حفنة من تراب»، غرورها السياسي لم يصمد طويلاً، أمام إرادة المصريين الذين قالوا كلمتهم، واستطاعت عزيمتهم إنقاذ التاريخ والحضارة والتنوير العربي، من قبضة العنف والتخلف.

الآن وبعد مرور عشر سنوات على هذه الثورة، استطيع القطع إن 30 يونيو هي ميلاد جديد للمنطقة والإقليم، وحصانة للأمن القومي العربي، وتثبيت لأركان الدولة الوطنية، وهويتها العربية، وحماية للشعوب، وإنقاذ للأجيال الجديدة، ودروس استراتيجية لمستقبل هذه الأمة.

هذه الثورة جسدت الشخصية المصرية وعبرت عنها، وباتت عنواناً لهوية هذه الشخصية التي قهرت المستحيل.

 

*رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email