الإعلام الموجه في مواقع التواصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح العالم اليوم أكثر عرضة وتأثراً بوباء ليس بالجديد، بل هو وباء قديم يتجدد عبر العصور بصور وأشكال عدة، محاولاً الإضرار بالأفراد والمجتمعات والدول؛ وهو وباء الشائعات والمعلومات المضللة والزائفة وغير الدقيقة، وقد ازدادت خطورة هذا الوباء في العصر الحالي بسبب الفضاء الإلكتروني المفتوح، الذي أسهم في سرعة انتشاره الزمني واتساع رقعته الجغرافية، ليخترق البيوت قبل المجتمعات، ويتسلل إلى عقول الصغار قبل الكبار.

وبمقدار ما أسهم الإنترنت والفضاء المفتوح في انتشار المعرفة وتسهيل الوصول إليها فإن طبيعته المفتوحة أدت إلى تدفق كم هائل من الأخبار والمعلومات والبيانات المكتوبة والمسموعة والمرئية، التي اجتاحت هذا العالم الافتراضي اجتياح السيل من مصادر لا حد لها ولا قيد أمامها، بما في ذلك أصحاب الأجندات الأيديولوجية الذين يصنعون المحتويات صنعاً لخدمة أهدافهم ومصالحهم، وقد ازدادت وتيرة ذلك مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً عن بث محتوياتها، ما يتطلب من الإنسان العاقل الحصيف انتقاء المعلومة الصحيحة والفكرة السليمة، والوصول إلى المعارف والأخبار من أبوابها الموثوقة.

ومن النماذج التي أكدت ذلك ما حدث إبان وباء كورونا، فقد صاحب هذا الوباء الصحي ظهور وباء من نوع آخر، وهو ما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية وقتها الوباء المعلوماتي «infodemic»، والتي شملت المعلومات المضللة والزائفة التي انتشرت عبر الإنترنت وقت الجائحة بكم كبير وخلال فترة زمنية قصيرة، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأثرت سلباً على سير مكافحة الوباء في الكثير من الدول والمجتمعات، بما ذلك الترويج لاستخدام علاجات خاطئة ولقاحات وهمية والتحريض على التدابير الوقائية وإضعاف الثقة بالسلطات والمؤسسات الصحية، فقد تم خلال شهر واحد فقط بعد الإعلان عن الوباء نشر 550 مليون تغريدة على تويتر عن كورونا، وتحميل 361 مليون مقطع فيديو على يوتيوب، وتدوين 19200 مقالة حول هذا الموضوع على الباحث العلمي من Google، وذلك وفقاً لمسح إحصائي أجري حول ذلك، واشتمل كثير من هذه البيانات على معلومات ملفقة ومضللة.

إن هذا الإعلام الموجه الذي يستهدف التأثير على الرأي العام والوباء المعلوماتي الحاشد الذي يصدر من هذه الجهة أو تلك لا يتوقف على ظرف معين أو وقت محدد، بل هو ظاهرة قديمة وممتدة، تتجدد بتجدد الأهداف والمصالح والغايات، إلا أنه أصبح أكثر تأثيراً في وقتنا الحاضر بسبب الفضاء الإلكتروني المفتوح، الذي هو ساحة عالمية مفتوحة لكل من شاء في أي مكان أو زمان كان.

ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من المعلومات الخاطئة أو المضللة لا تتخذ شكلاً صريحاً واضحاً يمكن التحقق منه بسهولة، كالأخبار الزائفة والمفبركة جملة وتفصيلاً، بل تأتي مختلطة ببعض الحقائق، وذلك عن طريق التزييف العميق والتلاعب بها، سواء أكانت تدوينات أم مقاطع فيديو أم غيرها، هذا من جهة محتواها، وكذلك من جهة مصادرها، فليست بالضرورة أن تأتي من مصادر واضحة الزيف، بل قد يلجأ أصحابها إلى طرق تصيد منظمة واستراتيجيات عميقة للتأثير على الرأي العام وخداعه، بما في ذلك التسويق الماكر «Astroturfing» والذي يتم فيه إخفاء الجهات التي تنتج أو تمول تلك المعلومات والأخبار الملفقة لجعلها تظهر للناس كما لو أنها نابعة من مشاركة شعبية حقيقية لإضفاء المصداقية عليها، وتستخدم وسائل عدة، بما في ذلك الإعلانات المدفوعة وإنشاء الحسابات المزيفة على مواقع التواصل ونشر التعليقات وغيرها.

كما لا تتوقف دائرة الاستهداف على الكبار فقط، بل تشمل حتى الصغار، فإن من أيسر الأمور الآن أن يتصفح الطفل عبر جهازه الذكي مواقع وتطبيقات بحثاً عن معلومة أو خبر أو مقاطع مرئية، وقد يقع على معلومات زائفة تكون لديه قناعة معينة، وقد يطبق بعضاً منها على نفسه دون التأكد من سلامة ما يفعله، وقد تخلق لديه مشاعر سلبية تصاحبه دون أن يبوح بها، وقد ينجذب نحو فكرة لا يدرك خطرها وضررها، فضلاً عن الصفحات والإعلانات التي قد تفاجئه أثناء مطالعة موقع أو تطبيق.

إن كل ذلك يتطلب من أبناء المجتمعات تعزيز الوعي الرشيد والتفكير النقدي لدى الصغار والكبار، وغرس قيم المسؤولية الذاتية ومراقبة الله تعالى، لأن الوعي والتحصين الذاتي هو الجدار المنيع والخط الأمامي الذي يمكن التعويل عليه في مواجهة الإعلام الموجه، ومكافحة أي وباء معلوماتي يستهدف الدول والمجتمعات والأفراد.

Email