سوريا في حضن العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادت سوريا الشقيقة إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، خبر سار ومهم، رغم أنه تأخر كثيراً، توافقت كل الدول العربية، وجاء القرار بالإجماع.

ما بين 12 نوفمبر عام 2011، حتى 7 مايو عام 2023، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، تعرضت الخريطة السورية لتجاذبات دولية وإقليمية، وسكنتها الجماعات المسلحة والإرهابية وأصحاب المصالح، وبات الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا، نافذتين عسكريتين لكل من واشنطن وموسكو، ناهيك عن نوافذ أخرى إقليمية، ترى في وجودها على أرض سوريا مكسباً كبيراً، يؤهلها للمناورة، وعقد الصفقات على المسرح الإقليمي.

تحملت سوريا الكثير خلال عقد مضى، وكان أهم ما يميزها الصمود والإرادة، وبعد النظر الاستراتيجي، انتصرت على مشروع تنظيم داعش، ومن يقف خلفه، وهزمت مخططات التقسيم والتمزيق، التي استهدفتها منذ اللحظة الأولى لما يسمى بـ«الربيع العربي»، كانت دمشق العاصمة الثانية بعد بغداد، التي يتم إعدادها نموذجاً يقاس عليه في مختبرات التقسيم والطائفية والمحاصصة، صمدت دمشق طويلاً، كانت ترى فجراً جديداً سيلوح في الأفق السوري، مهما طال الزمن، وتأكدت نبوءتها.

تغيرت الحسابات الإقليمية والدولية، ثمة مستجدات انحازت لمشروع الدولة الوطنية السورية، الحرب الروسية- الأوكرانية أعادت موازين القوى في الشرق العربي، حسابات واشنطن مغايرة لجدول أعمال موسكو، وأيضاً أنقرة، لم تخف الأهمية الاستراتيجية للانفتاح على سوريا.

يتزامن هذا المسار الإقليمي مع مسار دولي إقليمي آخر، يجري الآن في موسكو، ويضم أنقرة وطهران ودمشق، هذا المسار من شأنه تضييق فجوات الخلافات السورية- التركية، ولاشك أن النتائج المرتقبة ستكون نقاط قوة إضافية، لتمكين دمشق من الخروج من دائرة العزلة خلال عقد مضى.

الإرادة السورية التقت مع الرغبة العربية في طي صفحات الماضي الأليم، وكتابة فصل جديد بعنوان «سوريا في حضن العرب»، اللحظة مناسبة، والحسابات متوافقة، أيقن العرب أن ضياع عقد من عمر العلاقات العربية- السورية يمثل خسارة مؤكدة، ثمة تحركات عربية مكثفة أضاءت المصابيح أمام الشقيقة سوريا، جولات ومفاوضات ومباحثات عربية- سورية، أفضت إلى مشهد جديد.

زلزال 6 فبراير الماضي صاغ قاعدة جديدة باسم الدبلوماسية الإنسانية، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً بالرئيس بشار الأسد، وبعدها زار وزير الخارجية المصري سامح شكري دمشق، الأجواء صارت مفتوحة أمام طائرة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى أشقائه في القاهرة، وجدة، والجزائر، وتونس وغيرها.

ثلاثة اجتماعات لأطراف الملف السوري تمت في أقل من شهر، بداية من اجتماع جدة التشاوري، الذي جرى يوم 14 أبريل، وشاركت فيه مصر والعراق والأردن، بجانب دول مجلس التعاون الخليجي، تلاه اجتماع عمان بالأردن، الذي حضره للمرة الأولى وزير الخارجية السوري، في الأول من مايو الجاري، هذان الاجتماعان رسما خريطة الطريق لعودة سوريا، من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية يوم 7 مايو، لاتخاذ القرار التاريخي بالعودة، الرسالة واضحة، وتحمل العديد من الدلالات، في مقدمتها ما يلي:

إن الحل السوري لم يأت سوى بقرار عربي- عربي، وإن التدخلات الخارجية غير مقبولة، وإن الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية أمر لا يقبل القسمة على وجهات النظر، غير أن كل الشواهد السورية تقول: إن دمشق تتفهم المسارات المقبلة، التي تترتب على عودتها إلى جامعة الدول العربية، وإنها ستمضي بثقة في تطبيق الرؤية العربية القائمة على فكرة «الخطوة بخطوة»، والسعي لتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، لتوفير حل سياسي مقبول لكل أطياف الشعب السوري.

إذن، نجح العرب في استعادة دمشق إلى حضن العواصم العربية، وتأكد للجميع أن إرادة الدول العربية أقوى من أي موانع أو ضغوط، حاولت وتحاول الاستمرار في عزل سوريا.

 

*رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email