كان راشد الغنوشي ورجاله يخططون لإثارة الشارع، وكتابة مشهد جديد من الفوضى في تونس، بينما كانت الجهات القضائية قد انتهت من دراسة ملف الاتهامات الموجهة له التي تتعلق بالتمويلات الخارجية، وتسفير الشباب التونسيين إلى سوريا والعراق للقتال مع الجماعات الإرهابية.
ظن الغنوشي (زعيم حركة النضهة) أنه سيفلت بجرائمه مع مرور الوقت، ولكنه لم يدرك أنه وتنظيمه الإرهابي تحت مجهر العدالة التونسية، وأن كل الأدلة تستوجب المحاسبة العاجلة لهم، في ظل خريطة الطريق السياسية للبلاد، التي تنطلق وفق أسس لمكافحة الفساد والفاسدين، وإصلاح المنظومة السياسية في تونس.
اللافت للنظر في قضية الغنوشي، أن أوراقها كشفت أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، عن أن تونس كانت عائمة على بحور من الفساد والألغام والأحزمة الناسفة التي كانت تحيكها وتديرها حركة النهضة، فإذا تصفحنا سريعاً أوراق الاتهامات، تصدمنا التفصيلات، ملفات عديدة تحوي وثائق وأدلة في منتهى الخطورة، حاولت البحث والتدقيق والوصول إلى أكبر قدر من المعلومات عن هذه القضية.
استوقفتني تفصيلات خطة اغتيال السياسي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتي كشف الغطاء عنها وزير الداخلية التونسية، ثم لاحقها إعلان الرئيس التونسي مراراً عن تعرضه لمحاولات اغتيال.
الأوراق مملوءة بالمفاجآت، الخطاب الذي كانت تردده الحركة في الشارع التونسي عن مصادر أموالها، كان يقابله وجه آخر يفضح الزيف والكذب، فالمحكمة التونسية أثبتت تورط حزب النهضة في تلقي تمويلات خارجية بالمخالفة للقانون، فضلاً عن التورط في التعاون مع جهات خارجية، إبان الانتخابات البرلمانية طوال العشرية السوداء.
كل هذه الاتهامات أدت دوراً كبيراً في إفساد المجال العام، وبث الفتنة داخل الشارع التونسي، والتحريض ضد المؤسسات الوطنية للدولة التونسية.
هذا التحرك السريع من جانب الجهات القضائية التونسية، يعكس لنا عدة دلالات مهمة، ويأتي في مقدمتها أن الدولة التونسية ماضية في مسارها الإصلاحي الذي يقوده الرئيس قيس سعيد، منذ توليه المسؤولية في سنة 2019، وأن مؤسسات الدولة، وفي القلب منها مؤسسات العدالة، لن تتوانى لحظة واحدة عن فتح ملفات المتورطين جنائياً، وسياسياً، والتصدي لمن يمثلون حجر عثرة أمام تطهير البلاد، وأنه من غير المقبول ترك الدولة التونسية فريسة لهؤلاء، ليواصلوا عبثهم في مقدرات الشعب التونسي، هذا فضلاً عن الرسالة القوية التي يقرأها الشارع التونسي، في استراتيجية الرئيس قيس سعيد في مواجهة المشروعات الظلامية التي هددت الدولة في العشرية السوداء، وأن تونس ماضية نحو بناء مستقبل يسع الجميع، ويفتح الباب أمام القوى الوطنية للمشاركة في صناعة القرار.
ما يستحق التوقف أيضاً، الرد الحاسم للرئيس قيس سعيد، تجاه التدخلات الخارجية على الإجراءات القضائية في شأن الغنوشي ورفاقه من حركة النهضة، إذ رفض الرئيس التونسي التدخل السافر في الشأن الداخلي، مؤكداً أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة لا تقبل بأن يتدخل أحد في شؤونها، وأنها دولة لها تاريخ في النضال من أجل الحقوق والحريات، أعمق بكثير من العواصم الأخرى التي تحاول التدخل في شؤون تونس الداخلية.
وسط كل هذه التحركات للمؤسسات التونسية تجاه تطهير البلاد، يعيش الشارع التونسي حالة طمأنينة كبرى، ودعماً كاملاً للقيادة التونسية، لمواصلة الخلاص من كابوس الجماعة الإرهابية التي لاحقت تونس، دولة الحضارة والثقافة والسياحة، وصاحبة الدور المحوري المهم في محيطها العربي.
أخيراً أستطيع القول: إن تونس نجحت بقوة في مواجهة هذه القوى الظلامية، واستعادة روح وعافية المؤسسات الوطنية للدولة، ومن ثم، فالاصطفاف خلف القيادة التونسية بات واجباً وطنياً لقطع الطريق أمام أي محاولات لنشر الفوضى من جديد.
* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي