السرد الاستراتيجي للمؤسس «الرؤية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

واسطة العقد، في المفهوم الاستراتيجي الحديث لأي بناءٍ استراتيجي سواء لمؤسسة أو دولة هي «الرؤية»، وصياغة هذه الأخيرة تمتثل لمعايير علمية يتفق عليها معظم رواد الفكر الاستراتيجي والمختصين. وتتنوع عباراتها من مكان لآخر بصيغ جميلة، تزين المداخل والمواقع الإلكترونية وأياً كان مكان عرضها، ولكن يبقى الفاصل المحوري بين كل منها، هو مدى فاعلية النتائج الموصلة إليها.

من خلال البحث المهني والأكاديمي في هذا المجال، نرى أن السرد الاستراتيجي لأفضل من مارس الرؤى الملهمة هو تلك التي صاغها وطبقها المؤسس الوالد الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، من خلال ممارسات عملية في مختلف المجالات، وبنظرة سردية استراتيجية لممارسات المؤسس وبمواءمة وتطابق مع العلوم الاستراتيجية الحديثة وبمختلف المستويات العلمية في تفسير مفهوم الرؤية نستنتج من أفعال زايد المؤسس أن هناك رؤى واقعية في مرحلة تأسيس الدولة الوطنية والتي نقتبس من بعضها التالي: «نحن بدأنا من الصفر، وعملنا بجد أنا والرجال من حولي وإخواني في كل مكان حتى وصلنا إلى ما حققناه اليوم»، وفي رؤية أخرى: «إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كعرب بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وهذه الأبحاث». إن التوجه الاستراتيجي للوالد المؤسس لمستقبل الدولة أن يجمع سائر الإمارات تحت علم واحد ووطن واحد تكفي أن تكون مؤشراً حقيقياً إلى وضوح الرؤية الاستراتيجية والحكمة التي يتحلى بها وقدرته على فهم المستقبل ومتغيراته فهذه العبارة ومن خلال الرؤى نرى سلامتها وتطابقها مع الواقع العلمي الذي ينادى به حالياً في العلوم الاستراتيجية، ومن خلال التحليل الاستراتيجي لممارسات المؤسس أنه لا يسلم قراراته للمجهول أو الانطلاقة للتنفيذ في عالم مظلم من دون معطيات موثوق بها تكون مخرجات لعمليات سابقة تشكلت بمسار التفكير والتخطيط الاستراتيجي. علاوة على هذا كله، فهذه الممارسات تفيدنا بأن الرؤية تتمدد وليست ثابتة فما إن حقق زايد رؤية انطلق نحو رؤية أوسع في تأسيس الدولة تشمل مجالاتها كافة.

وفي ممارسة أخرى لتحقيق الرؤية قال زايد: «نحن نهدف إلى إنجاز المزيد من الأعمال المثمرة التي تعود على وطننا بالخير دون توقف وفي أسرع وقت»، وهنا نستخلص إيماناً واضحاً للوالد المؤسس بمفهوم التنافسية، اعتماداً على مبدأ ندرة الوقت، مع التركيز على تحقيق أعمال مثمرة تضمن الميزة التنافسية، وهذا من مقومات أي عمل جاد يسعى لتحقيق رؤية محددة.

ولعل من مقومات تحقيق أي رؤية المراد منها تحقيق أهداف استراتيجية وضعت، وتحديد المسؤوليات وتوضيحها بما يسخر مبدأ المحاسبة ويحدد من له الحق في تقييم النتائج والمشاركة، ويتجلى هذا بشكل واضح لدى الشيخ زايد رحمه الله حينما قال مخاطباً المسؤولين: «إنكم كممثلين للشعب - صاحب الحق في كل شيء في هذه الدولة - يجب أن تكونوا حريصين دقيقين في عملكم، وعليكم أن تتابعوا باهتمام ووعي كل نشاطات الدولة على كافة المستويات، يجب أن تكون لنا اجتماعات مستمرة للشباب في النوادي والمجالس لمشاركتهم في آرائهم، وتحقيق التفاهم المثمر معهم»، وهنا نتذوق حكمة المؤسس الاستراتيجية في توظيفه منهجيات عمل رائدة، لأن مسار تحقيق الرؤى الاستراتيجية طويل جداً، ويحتاج لأفكار إبداعية ومتنوعة، وسواعد متكاملة ومتينة، كل يحمل المشعل عن الآخر.

وبشكل عملي فإننا نعيش ثمار رؤية الشيخ زايد عملياً في وقتنا الحالي، ووضّح الوالد المؤسس مضمون الرؤية الاستراتيجية التي يجب أن تنتقل من الفكر للممارسة، فالفكر يجب أن يكون موحداً ويثير حماس جميع أصحاب المصلحة ويضمن انتماءهم والتزامهم، ويعكس دورهم الفعال على أرض الواقع.

Email