طبعة جديدة من «داعش»

ت + ت - الحجم الطبيعي

استوقفتني دراسات حديثة عدة تؤكد عودة تنظيم «داعش» وتمدده، ليس فقط في المشرق العربي واليمن، كما كان في السابق، وإنما الدراسات تؤكد اتساع دائرة التنظيم ليكسب أرضاً جديدة في قارة أفريقيا.

اللافت للنظر في هذه الدراسات، أن المؤشرات جاءت مصحوبة بتفاصيل ومعلومات تؤكد تفوق داعش على القاعدة من حيث الموارد، وعدد العناصر، والقدرة على الحشد والتعبئة، والاستمرار في تنمية مشروعه العالمي المتطرف، الذي يضم الآن نحو عشرين فرعاً وشبكة تصدر منها يومياً بيانات ومنشورات تؤكد عدم نهاية التنظيم، كما كانت تقول بعض الدراسات السابقة.

ما يزيد من خطورة المعلومات المتوافرة الآن حول تنظيم داعش، أن هذا التنظيم استطاع أن يتمدد في منطقة الغرب الأفريقي ودول الساحل والصحراء وجنوب الصحراء.

بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى والقرن الأفريقي، وهذا ما أكدته تقديرات مؤشر «الإرهاب العالمي» لعام 2022، بأن أربع دول من بين الدول العشر التي شهدت أعلى معدل ضحايا الإرهاب في العالم، جاءت في أفريقيا جنوب الصحراء وهي بوركينا فاسو، والكونغو الديمقراطية، ومالي والنيجر.

هنا، وبعد هذه المؤشرات الخطيرة حول عودة إحياء تنظيم داعش بهذه القوة من جديد في أفريقيا والعالم، نجد أنفسنا أمام أسباب عدة كانت وراء هذه العودة، ويأتي في مقدمتها ما يلي:

إن هذا التنظيم ينشط في المجتمعات والدول غير المستقرة، بل إن الأزمات وضعف المؤسسات، خصوصاً الأمنية منها، تشكلان له بيئة خصبة وحاضنة قوية لانتشاره، وتوسيع مساحات تجنيده لعناصر جديدة، وجمع الأموال لتمويل عمليات وتأسيس فروع جديدة له.

كما أن هذا التنظيم يستغل الصراعات والخلافات السياسية والأمنية في هذه البلاد، لملء الفراغ الموجود بها وتقديم نفسه بديلاً عن الدولة ومؤسساتها، لا سيما أن هذه الدول غير المستقرة، تفتقد إلى القدرة على مواجهة هذا النوع من التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يعزز من فرص انتشار التنظيم وروافده.

كما أن انشغال العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية، جعل تركيزه الرئيسي بعيداً عن مواجهة وحصار التنظيمات الإرهابية، وفي القلب منها تنظيم داعش، فعلى سبيل المثال، لو عدنا إلى عام 2015، لتوقفنا أمام الحالة العالمية غير المسبوقة، والرافضة لتغلغل التنظيم في المجتمعات، فقد شهدنا الحرص العالمي على تأسيس التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق، وحقق هذا التحالف نجاحات كبيرة.

وهزم هذا التنظيم الإرهابي في آخر معاقله بقرية الباغوث بالعراق عام 2019، وكانت الصورة آنذاك تؤكد تلاشي هذا التنظيم، لكن المتغيرات والصراعات العالمية، وفي مقدمتها الحرب الروسية - الأوكرانية، دفعت العقل العالمي لإعادة ترتيب أولوياته، التي قطعاً انصرفت بعيداً عن التركيز على مواجهة التنظيمات الإرهابية.

أما البعد الآخر الذي يسهم في إحياء «داعش»، فهو الذي يتعلق بالأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات التضخم العالمي، وارتفاع الأسعار، وتراجع فرص العمل في الأسواق العالمية، فكل هذه الظروف توفر البيئة السهلة لتنظيم داعش على استقطاب الشباب والعاطلين عن العمل، وشراء العقول والقلوب الضعيفة، مستغلاً حاجة هؤلاء إلى المال والعمل.

وغني عن القول إنه وسط هذه التقديرات والدراسات التي تدق جرس إنذار كبيراً تجاه تنظيم داعش، يتوجب على العالم أن يتعامل بجدية كاملة مع أسباب عودة إحياء تنظيم داعش، والسعي لتأسيس كيان عالمي على غرار التحالف الدولي في سوريا والعراق، لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي، ليس فقط في أفريقيا وآسيا، بل في العالم كله، فرغم أن المعلومات تؤكد أن العالم أمام طبعة جديدة من «داعش»، فإن المعلومات أيضاً تقول إن فرصة المواجهة الآن قطعاً ستكون أفضل من تأجيل المواجهة إلى غدٍ.

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email