أعادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي نشر مذكرات السياسي المخضرم بن بارنز، 84 عاماً، الرئيس السابق لمجلس النواب بولاية تكساس، الذي سافر إلى منطقة الشرق الأوسط، بصحبة أستاذه، جون كوناللي.

وهو سياسي مخضرم آخر ومن تكساس أيضاً، في عام 1980، إبان ذروة المعركة الانتخابية بين الرئيسين الأمريكيين، الأسبق جيمي كارتر، الذي كان يخوض الانتخابات آنذاك من أجل الفوز بولاية ثانية، والراحل رونالد ريغان.
يقول بارنز في مذكراته إنه ألح كثيراً على رؤساء دول في المنطقة كي لا يتوسطوا من أجل إنهاء أزمة الرهائن الأمريكيين الشهيرة، والذين كانوا محتجزين آنذاك بمقر السفارة الأمريكية في طهران.
وظلوا كذلك لمدة 444 يوماً. وبحسب ما رواه بارنز، فإن سبب هذا الإلحاح من جانب كوناللي أنه كان يرغب بأن تبقى الأزمة قائمة لحين فوز ريغان على كارتر، كي يأتي هو ويكون حل الأزمة بمثابة أول نصر سياسي يحققه بعد دخوله إلى البيت الأبيض.
ظلّت رواية بارنز هذه متداولة وكان أعضاء الحزب الديمقراطي كثيراً ما يسوقونها كمبرر لهزيمة كارتر أمام ريغان:
«الجمهوريون الأشرار أحبطوا حلاً إنسانياً للأزمة كان من شأنه أن يفيد كارتر ويدعمه في مسعاه للبقاء في منصبه للفوز بولاية ثانية على التوالي».
يتشابه المتشددون الديمقراطيون مع نُظرائهم الجمهوريين في نفس طريقة التفكير عندما يخسر مرشحهم انتخابات الرئاسة، فكلاهما يرى أن مرشحهم لم يخسر فعلياً، وإنما تعرض لخيانة أو مؤامرة أو دسيسة أطاحت به.
ثمة أسباب عديدة وراء انتصار ريغان الكاسح على كارتر، منها أسباب تُعزى إلى عيوب في أداء كارتر خلال ولايته التي استمرت من عام 1976 إلى عام 1980. لم ينجح كارتر في إبهار الشعب الأمريكي كرئيس متمكن. كان الاقتصاد الأمريكي في عهده مأساة، فيما كانت العسكرية الأمريكية تعاني فوضى في حقبة ما بعد حرب فيتنام بكل إخفاقاتها.
بينما كان العالم يتجرأ على إهانتنا إلى الدرجة التي جعلت طلبة جامعيين متشددين يحتجزون 52 من دبلوماسيينا في مقر سفارتنا داخل بلدهم لمدة 444 يوماً، وحينما حاول كارتر حل هذه الأزمة عسكرياً، كانت عملية «ديزرت ون» التي تعرضت للإجهاض في إخفاق كارثي مُذل. وبعد كل ذلك، لم يكن من قبيل المفاجأة أن يكتسح ريغان كارتر على هذا النحو في نتائج الانتخابات.
يبدو تبرير هزيمة كارتر بعدم نجاحه في إنقاذ الرهائن قبل يوم الانتخابات سخيفاً وغبياً، فأسباب الهزيمة كانت حاضرة بالفعل على أرض الواقع من قبل حتى أزمة الرهائن.
لقد خسر كارتر انتخابات عام 1980 ببساطة لأن الأمريكيين رأوه كما هو في الحقيقة: إنسان طيب لكنه رئيس سيئ.
ولكن لماذا أستدعي الآن كل هذه الذكريات التي مر عليها ما يزيد على 42 عاماً؟ الإجابة: لتذكير الأمريكيين بوجوب استعادة الحس السياسي السليم. هذا الحس الذي جعلهم منذ 42 عاماً يُسقطون رئيساً سيئاً.
يبدو الأمريكيون الآن أحوج ما يكون لاستعادة هذا الحس وهم يشهدون رئيساً أمريكياً آخر، وهو الرئيس السابق دونالد ترامب، يخضع لتحقيقات لسبب أقل أهمية كثيراً من أسباب أخرى عديدة يستحق عنها بالفعل محاكمات صارمة.
إن التحقيقات التي يخضع لها ترامب الآن تتعلق بقضية أراها شخصية أكثر منها عامة. نتحدث عن اتهام ممثلة الأفلام الإباحية السابقة، ستورمي دانييلز له، بأنه رشاها عن طريق أحد محاميه قبل الانتخابات الرئاسية التي فاز بها في عام 2016، كي تصمت ولا تفضح العلاقة الحميمة التي أقامها معها ترامب في أحد منتجعات الغولف المملوكة له في عام 2006.
إذا ثبتت صحة هذا الاتهام، فنحن نتحدث عن جريمة ارتكبها ترامب بحق زوجته، لا بحقنا نحن. ثمة جرائم ارتكبها ترامب بحقنا نحن يستحق من أجلها المحاكمة، ويكفي أن نذكر تحريضه على العنف في ولاية جورجيا، اعتراضاً على فوز الديمقراطيين فيها في انتخابات عام 2020، والتي أخرجته من البيت الأبيض، ثم تحريضه على اقتحام مبنى الكابيتول، في السادس من يناير 2021، لنفس السبب.
حاكموا ترامب، ولكن على الجرائم التي تستحق أن يُحاسب عليها، واستعيدوا حسكم السياسي.
* كاتبة مقالات لدى صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية وعضوة في الحزب الجمهوري الأمريكي
ترجمة: سيد صالح