نجح الرئيس التونسي قيس سعيد، بامتياز، في استكمال كل الاستحقاقات الدستورية والسياسية، وتمكن رغم كل الأنواء والعواصف والتحديات، أن يصل ببلاده إلى بر الأمان بخريطة الطريق التي وعد بها، حيث واجه كل العقبات بقوة وصلابة وفلسفة ورؤية مدروسة. صور البرلمان التونسي الجديد في جلسة انتخاب رئيس المؤسسة التشريعية تحمل دلالات ورسائل عدة، لا مكان لما تسمى حركة النهضة وروافدها تحت القبة، إذ إن القرار وطني، والتصويت لصالح تونس الدولة، وليس تونس الساحة. حيث إن التاريخ شاهد على هذه التحولات الكبرى خلال عقد مضى.
ولا شك أن الشعب التونسي يدرك جيداً نتائج المحطات الماضية التي توقف أمامها الرئيس التونسي بقرارات صارمة وفاصلة دون تردد، إذ إن اللحظة فارقة، وعلى الجميع أن يعي الدروس جيداً، فتونس لن تعود إلى الوراء، لا بديل عن تونس الوطنية بإرادة أبنائها.
من يقرأ تفاصيل المشهد التونسي وتفاعلاته، وواقع الأوضاع التي أصبحت عليها الدولة يتوقف أمام عدة شواهد يأتي في مقدمتها ما يلي:
إن جماعة الإخوان الإرهابية ووكلاءها في تونس تراجعت وتضاءلت، ولم يعد أمامها مستقبل للعودة مرة أخرى، إذ إن الشارع التونسي والدستور الجديد لن يسمحا بإحيائها من جديد مهما كان الثمن، إذ إن قادة النهضة وقواعدها تآكلت أمام رغبة تونسية بشطب وجودهم من المؤسسات الوطنية التي حاولوا اختراقها مرة ثانية، فضلاً عن أن المحطة التي وصل إليها قطار التجديد التونسي، تؤكد الغياب الكامل لتأثيرهم في الشارع السياسي، وتجلى ذلك بوضوح في فشلهم أكثر من مرة وفي محاولاتهم حشد الشارع ضد خريطة الطريق التي رسمها الرئيس التونسي، بما فيها الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
أما الملمح الثاني، فيتمثل في الرغبة الحقيقية للشعب التونسي في الانحياز غير المشروط لمفهوم الدولة الوطنية ومقدرات الشعوب، وأن هناك اصطفافاً كاملاً للتحرك نحو مستقبل واعد، يعيد الدولة التونسية إلى مكانتها ومحيطها العربي والإفريقي، كدولة فاعلة تشارك بإيجابية في بناء الاستقرار والسلام والتنمية والازدهار، انطلاقاً من حضارتها وتاريخ شعبها القائم على الانفتاح على الآخر، واحترام سيادة الدول، وعدم السماح بالتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
يأتي الملمح الثالث، ليؤكد مدى الوعي الذي يتمتع به أبناء الشعب التونسي، وقدرتهم على الفرز في التوقيت الصعب، وتجلى ذلك بوضوح في فشل جميع المظاهرات التي دعت إليها حركة النهضة، بالشكل الذي كشف الحجم الحقيقي لهذه الجماعة، التي روجت زيفاً وكذباً بأنها قادرة على التأثير في الشارع.
قرأنا ذلك أيضاً في الملمح الرابع الذي يقول بفشل أية محاولات خارجية، لإحداث فوضى جديدة في الداخل التونسي، وأن الشعب أدرك ذلك جيداً، وتجنب الانجرار وراء رسائل التأزيم والتقسيم والفتنة السياسية والاجتماعية في الفترات الماضية.
وتتجلى صورة الملمح الخامس، في أن مشهد انهيار الجماعة الإرهابية في تونس، سيكون نموذجاً ومؤشراً يقاس عليه في العواصم التي لا تزال تشهد محاولات لإحياء هذا التنظيم، سواء في المنطقة أو خارجها، إذ إن التجربة التونسية تؤكد أن المواجهة الصادقة والأمينة والشجاعة التي قام بها الرئيس التونسي، تشكل نموذجاً في مواجهة الأفكار الظلامية، وأنه بالإرادة الوطنية والوعي الشعبي، يمكن الخلاص من بقايا وأذناب هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التي تهدف إلى الهدم والفوضى والتخريب.
أخيراً أستطيع القول إن تونس نجحت في العبور إلى الدولة الوطنية، وإن العالم أجمع يرى أهمية النموذج البرلماني التونسي الذي صار بدون «إخوان».
* رئيس تحرير مجلة «الأهرام» العربي