يتردد على نطاق واسع، أن الشعوب تتجه نحو ماضيها وتاريخها، عندما تعيش أزمة أو تعاني من تراجع حضاري، فتستعيض عن مستقبلها الذي فشلت في الإبداع والتميز فيه بالماضي. وفي ظني أن مثل هذا القول، يحمل في جوانبه تعميماً خاطئاً، فضلاً عن المضمون الذي أراه غير صحيح.

إن أي شعب يعيش في تراجع معرفي وثقافي وتخلف تكنولوجي، ليس بسبب اهتمامه بتراثه وتاريخه، والشواهد كثيرة التي تدحض هذا القول، بل إنني أعتقد أن الأمة التي تتخلص من ماضيها وموروثها، بحجة المعاصرة والتحديث والانطلاق نحو المستقبل، ثم بعد عدة عقود، تكتشف أنها أضاعت مقدراتها المادية والبشرية للسعي نحو تحقيق منجز لم تخطُ باتجاهه الخطوات الصحيحة، فتعود للتراجع، ومن هنا تبدأ تستدعي الماضي، ليعوضها خسارة الحاضر.

إن تراثنا العربي على الرغم من ثرائه، إلا أنه يواجه خطراً بتجاهله، فقد اتجه الشباب نحو الموضة والأزياء الغربية، وتقمصوا عادات وتقاليد لا تمت لتاريخنا بصلة.

يقول ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا عام 1940: «لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر، فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل»، من هنا، يظهر أن مشكلة التخلي عن التراث العربي ليست في الشباب وحسب، بل إن الشباب نتاج التجاهل الذي تم من الآباء، إن السر في الوصول إلى المستقبل المنشود، هو في الانتماء للماضي الراحل، فالأمم الواعية والشعوب المتعلمة الواثقة من نفسها، هي تلك التي تحافظ على هويتها، وتتخوف من فقدها واضمحلالها، هي التي تنافح وتطور من أجل المحافظة على عبق الماضي وتراثها، لأنه هو الهوية، في زمن تتلاطم فيه أمواج التحديات الحضارية، إن اهتمامنا بتراثنا، يجب أن يمتد ليشمل اختراع وسائل حديثة لتقديمه إلى العالم، واستغلال التقنية المتطورة في مجال الاتصالات، لتخدم هذا المسعى، إن المناهج الدراسية أيضاً، يجب أن يعاد النظر في تناولها، ويجب أن يكون التاريخ الذي يتم تعليمه شاملاً للحياة، من الحرف والأعمال والهموم اليومية، إلى طبيعة المجتمع والأزياء، ونحوها من التفاصيل، وفي ظني أنه يجب أن تبدأ هذه العملية منذ وقت مبكر من حياة النشء، لينمو معهم شيء جميل نسميه التراث.