لا بد من سوريا، وإن طال الزمن، دمشق تعود إلى الحضن العربي، فشلت قيود ما يسمى الربيع العربي في حصار واحدة من أهم بلاد الشام.

التجاذبات والسباقات نحو الخريطة السورية باتت تتراجع، الطريق صار مفتوحاً أمام الدعم العربي، لا أحد يستطيع الاستغناء عن سوريا، اللحظة فارقة واستثمارها واجب وطني، يصب في صالح المستقبل.

كل المؤشرات تؤكد قيمة وأهمية سوريا في محيطها العربي، الزلازل السياسية والجيولوجية تنحاز للشعوب الوطنية، التحركات التي نلمسها في الواقع من قبل العرب تجاه سوريا، الدولة والوطن والعروبة، تقول: إننا أمام طريق جديد لإصلاح خريطة العلاقات العربية - السورية.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بادر بالاتصال هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً جاهزية الدولة المصرية لتقديم جميع أنواع الدعم والمساندة، بل إن الرئيس السيسي دفع الأشقاء العرب لتقديم مزيد من الدعم والمساندة للشعب السوري، ولم لا؟! فمصر وسوريا كانتا دولة واحدة منذ عام 1958 حتى عام 1961.

حرص القاهرة على تقديم الدعم مستمر، فقد تابعنا في الأيام الماضية زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا، ولقاءه بالرئيس السوري، وهي أول زيارة لوزير خارجية مصري إلى دمشق منذ أكثر من عقد من الزمن. الزيارة لها دلالاتها ووسائلها، مصر لن تتوانى عن الوقوف إلى جانب الأشقاء العرب في جميع الظروف.

نفس الرسائل والدلالات بذات القوة والزخم، شاهدناها العام الماضي أثناء استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، للرئيس السوري بشار الأسد، وحرص دولة الإمارات على تقديم الدعم الكامل والسخي لمساندة الدولة السورية، عقب زلزال السادس من فبراير الماضي، ومن قبلها تعددت الزيارات التي قام بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى دمشق.

نفس المشهد رأيناه في استقبال هيثم بن طارق، سلطان عُمان، فبراير الماضي للرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة مسقط.

إذا ما وضعنا أمامنا هذه التحركات، بجانب مبادرات الدول العربية الرسمية والشعبية، نجد أنفسنا أمام تفاعلات جديدة من نوعها تجاه الدولة والشعب السوري، الأمر الذي يؤكد أن هناك موقفاً عربياً ينطلق من عدة ثوابت، في مقدمتها الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية والظلامية، فهزيمة الإرهاب في مصر جاءت لصالح معركة سوريا ضد الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، كما أن هزيمة الإرهاب في سوريا جاءت بمثابة دعم لكل الجهود العربية في مكافحة العنف والتطرف، أيضاً فإن هذا التفاعل يمكن البناء عليه في الفترة المقبلة، لدعم وتشجيع السوريين على حل الخلافات، وبدء مرحلة جديدة وفق القرار الأممي 2254، كما يزيد من فرصة انخراط سوريا في محيطها العربي، وعودتها إلى جامعة الدول العربية، كعضو له دوره التاريخي في تأسيس الجامعة عام 1945.

اللافت للنظر أيضاً أن هذا الحراك العربي تجاه سوريا، يكشف عن إرادة عربية قوية، تسعى إلى إعادة استقرار الخرائط التي تصدعت منذ ما يسمى الربيع العربي، وبناء نموذج عربي قائم على التعاون والتشارك، واكتشاف المساحات المشتركة، بما يصب في صالح كل الشعوب العربية، ويكون سداً منيعاً أمام جميع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للعرب.

فلا شك أن استعادة الاستقرار السوري، يمثل رافعة قوية للعمل العربي المشترك، والحفاظ على الأمن القومي العربي، وحماية مقدرات الشعوب العربية، ويسهم في إعادة ترتيب البيت العربي، في ظل تحديات غير مسبوقة صنعتها أجواء فوضى الربيع العربي، وأزمات تركتها جائحة كورونا، وتصدعات اقتصادية فرضتها الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن أن هناك نظاماً عالمياً جديداً يفرض قواعد جديدة، ويتطلب من العرب إدراكاً مختلفاً لتلك المتغيرات.

 

*رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي