محصنات التجنيد بين الدول

ت + ت - الحجم الطبيعي

تناولنا في المقال السابق واقعية التجنيد بين الدول، وبينّا أن قيام جهات معادية بمحاولات تجنيد أفراد واستقطابهم لتنظيمات متطرفة أو نشاطات مشبوهة، هو أمر واقع ومتجدد، حيث تستغل تلك الجهات وسائل ومنصات عدة في مثل هذه الأنشطة المشبوهة، لكننا سنتناول في هذا المقال وسائل التحصين من هذا التجنيد وطرق الوقاية منه.

ومن أهم هذه الوسائل وجود الوعي واليقظة تجاه هذا الأمر، وهو من أهم الأسلحة الشخصية لمكافحة التجنيد، فيكون الفرد مدركاً للتهديدات التي تواجه وطنه، فلا يكون هو الباب الذي يدخل منه العدو لاختراق مجتمعه، ويتحلى بالتفكير النقدي، فلا ينساق لأي نشاط مشبوه، بل يزن الأمور بموازين وطنية وعلمية، متحلياً بقوة الشخصية والثقة بالنفس، متوكلاً في ذلك كله على الله تعالى، لينير بصيرته، ويجعله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، ودرعاً لوطنه ومجتمعه.

ولاشك في أن الشخص الذي يملك الوعي الأمني الوطني هو درع متينة لوطنه ومجتمعه، إذ سيكون يقظاً تجاه أي محاولة لتجنيده أو أي نشاط مشبوه يستهدفه، بل إذا وجد شيئاً من ذلك أبلغ الأجهزة المختصة لتتولى النظر فيه، وكم من عمليات تجنيد فشلت بسبب وعي الناس في المجتمعات، وقوة يقظتهم، فكان الخذلان من نصيب العدو، بل انقلب الأمر عليهم وانكشفت مخططاتهم.

وفي هذا الإطار نؤكد أيضاً أن الشخص الواعي لا يمكن أن ينخدع بالشائعات المغرضة التي تبثها أي جهة لتشويه وطنه والنيل من قيادته، وإضعاف انتمائه الوطني، ولا ينساق لها ولا يتأثر بها، بل ترتد هذه الشائعات منكسرة على صخرة وعيه.

ويتأكد ذلك في العصر الراهن مع تنامي استخدام التكنولوجيا، وتوظيف البعض لهذه الأدوات لبث شائعات وأخبار مضللة موجهة لتمرير أجندات تنظيمات وجهات مشبوهة، مما يجعل الوعي عاملاً أساسياً في التصدي لهذه المحاولات، التي تستهدف إضعاف الانتماءات الوطنية.

ومن وسائل التحصين من التجنيد أو أي نشاط مشبوه، أن يتحلى الفرد بسلوكيات سوية في حياته، ويبتعد عن السلوكيات السيئة، فلا يجد العدو طريقاً إلى اصطياده في دهاليز المحرمات وأفخاخ الابتزاز المتنوعة، سواء أكان داخل وطنه أم خارجه، وقد قيل في المثل الشعبي: «امشي عدل يحتار عدوك فيك»!

فصاحب السمعة الطيبة يعكس بسلوكه السوي نبل معدنه، وقيم مجتمعه ووطنه، وتكون هذه السمعة درعاً تحميه من وسائل التجنيد المختلفة، فالأخلاق جمال ووقاية.

وأما إذا كان الإنسان أسيراً للغرائز واللذات المحرمة أو سهل الانقياد لها فإنه يجعل نفسه فريسة سهلة للباحثين عن التجنيد من الجهات المعادية، التي لا تتوقف عن محاولات التجنيد بشتى الطرق، ومنها استدراجهم من خلال الكثير من المغريات المحرمة.

كما يأتي هنا دور الموظف في التحلي بأخلاقيات المهنة، ومنها الأمانة وحفظ الأسرار التي بين يديه، وعدم إفشائها بحال من الأحوال، فهو مؤتمن عليها، وخصوصاً إذا كان يعمل في وظائف حساسة.

وأيضاً، يأتي دور الأجهزة الإعلامية والصروح المدرسية وغيرها في تعزيز القيم الوطنية والأخلاقية والمواطنة الصالحة، وتكريس الوعي الأمني، وترسيخ قيم الولاء والانتماء للوطن، كل بحسب دوره في التوعية وتحصين المجتمع.

كما يقع على عاتق الأسرة دور كبير، باحتواء الأبناء، ومتابعتهم، لكي لا يقعوا فريسة لأي أفكار أو أيديولوجيات أو وسائل تجنيد أو نشاطات مشبوهة وخبيثة، خصوصاً مع وجود الأجهزة التقنية بيد كل أحد، وما فيها من تطبيقات مختلفة، ومنها ما يتضمن وسائل الدردشة والتواصل مع الغرباء.

حيث يستطيع أي فرد التواصل مع من يشاء عبرها، وقد لعبت وسائل الاتصال عبر الإنترنت وتطبيقات الدردشة دوراً كبيراً في تجنيد العملاء للتنظيمات المتطرفة وغيرها.

تسعى الدول لحماية أمنها القومي من كل الأنشطة التي تخل به، وتضع ذلك على رأس أولوياتها، ومن هذه التهديدات عمليات التجنيد التي تتبعها الجهات المعادية، ومن واجب كل فرد أن يكون درعاً متينة لحماية مجتمعه وتعزيز أمنه واستقراره.

* كاتب إماراتي

Email