باتت القمة العالمية للحكومات، التي تعقد سنوياً في إمارة دبي، منصة متميزة ومتفردة، يحرص العديد من رؤساء الدول والحكومات والوزراء والخبراء والأكاديميين، على المشاركة فيها، لما تتميز به من طرح متجدد، ونقاش ثري وعميق، يتناول مختلف القضايا التي تتعلق بالأداء الحكومي، بغرض تبادل الرؤى والخبرات، وتقديم التصورات والاستراتيجيات، والخروج بشراكات فاعلة، تساعد في فتح آفاق جديدة أمام الحكومات، وفي تصميم آليات لمواجهة التحديات العالمية، بما يعزز قدرة الدول على صياغة مستقبل أفضل للبشـرية.
إن أحد الأدوار الرئيسة المنوط بالحكومات القيام بها على أكفأ وجه، هو خدمة مواطنيها، وتحسين مستوى معيشتهم، وتحقيق الرفاهية لهم، ودعم قدرتهم على الصمود في مواجهة أي أزمات مفاجئة، وكلها أمور قد يرى البعض أنها سهلة المنال، لكن ما يشهده العالم من تطورات سريعة ومستمرة، وما يواجهه من تحديات وأزمات عديدة، قد تزيد هذه الأمور تعقيداً، ويفرض عليها مزيداً من القيود، الأمر الذي يستدعي أن تطور الحكومات دائماً من أدائها، وأن تبحث باستمرار عن آليات جديدة تعزز قدرتها، وتفتح أمامها مزيداً من الفرص.
وتبدو عملية تطوير أداء الحكومات، أمراً لا مفر منه، في ظل مجموعة من العوامل الرئيسة: أولها، اختلاف طبيعة التطورات التي يشهدها العالم، فقد باتت تلك التطورات سريعة جداً، وأصبحت تأثيراتها عميقة بدرجة كبيرة، ومن ثم تحتاج إلى آليات مختلفة للتعامل معها، سواء للاستفادة منها، أو لتقليص تداعياتها السلبية. وما شهده العالم من أزمات متصلة خلال الأعوام الأخيرة، بداية من جائحة «كوفيد 19»، مروراً بأزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، وما تبعهما من تفاقم في أزمات التضخم والركود الاقتصادي، وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد، وتنامي النزاعات التجارية والتنافس التكنولوجي، كل ذلك وغيره، فرض تحديات جديدة على الحكومات، التي أصبحت مطالبة بالتعامل معها. وثانيها، تنامي تطلّعات الشعوب نحو معيشة أفضل وأسهل، ففي ظل سهولة التواصل بين البشر في مختلف بقاع الأرض، وارتفاع وتيرة التفاعل بينهم، بفعل ثورة تكنولوجية، ما زالت تستمر في تقديم كل ما هو جديد ومبهر، فقد أصبحوا قادرين على تبادل خبراتهم الحياتية، وأنماطهم الحياتية، حتى ارتفع سقف طموحات الجميع نحو حياة أكثر رفاهية ويسر، معتمدين في ذلك على حكوماتهم التي باتت مطالبة بمواكبة هذه الطموحات. والعامل الثالث، هو ما تفرضه هذه التطورات والتحديات العالمية من تحدٍ يتعلق بقدرة الحكومات على استشراف المستقبل، نظراً إلى حالة الغموض التي تكتنف مسار كثير من الأحداث والتفاعلات الجارية والمتوقعة. ومن هنا، جاء تركيز القمة العالمية للحكومات في دورتها الحالية، على قضية استشراف المستقبل، حيث تولي القمة أهمية كبيرة للجهود الحكومية التي تستشرف مستقبل التنمية المستدامة، وتسعى لإيجاد حلول استباقية للتحديات القائمة والمحتملة، الأمر الذي من شأنه أن يُسهم في رسم مستقبل أفضل للمجتمعات والشعوب.
إن تطوير الحكومات لأدائها بشكل مستمر، وامتلاكها آليات جديدة ومبتكرة، بات أمراً ضرورياً، في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات وتطوّرات، ومن هنا، تأتي أهمية الدور الذي تؤدّيه القمة العالمية للحكومات، بوصفها منصة عالمية لتبادل الخبرات وأفضل التجارب والممارسات العالمية في مجال تطوير العمل الحكومي، ولا شك في أن المشاركة العالمية الواسعة في القمة، سيتيح فرصة أوسع لمزيد من تبادل الأفكار، والاستفادة من الخبرات المشتركة، من أجل تحقيق مزيد من التطوير الحكومي، وتعزيز قدرة المجتمعات والشعوب على مواجهة التحديات العالمية والمحلية المتنامية.
* مديرة إدارة البحوث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات