زلزال القرن يعيد نفسه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابه «البداية والنهاية» ورد عن المعلم والمؤرخ المسلم ابن كثير الدمشقي عن كارثة الزلزال المفزع، والذي وقعت أحداثه في سنة 597 للهجرة في مناطق كبرى من أرض العراق وبلاد الشام وتركيا، وهي تقريباً تعتبر المناطق نفسها التي حدث فيها زلزال القرن الحالي!

فعن هذا «الحدث المهول» يقول المؤرخ في كتابه: «كانت زلزلة عظيمة ابتدأت من بلاد الشام إلى الجزيرة وبلاد الروم والعراق، وكان جمهورها وعظمها بالشام تهدمت منها دور كثيرة، وتخربت محال كثيرة، وخسف بقرية من أرض بصرى، وأما سواحل الشام وغيرها فهلك فيها شيء كثير، وأخربت محال كثيرة من طرابلس وصور وعكا ونابلس.

ولم يبق بنابلس سوى حارة السامرة، ومات بها وبقراها 30 ألفاً تحت الردم، وسقط طائفة كثيرة من المنارة الشرقية بدمشق بجامعها، و14 شرافة منه، وغالب الكلاسة والمارستان النوري.. وأن هناك مئات الآلاف من الأرواح التي زهقت ومن الأنعام التي نفقت!

حيث خرج الناس إلى الميادين يستغيثون، وسقط غالب قلعة بعلبك مع وثاقة بنيانها، وانفرق البحر إلى قبرص وقد حدف بالمراكب منه إلى ساحله، وتعدى إلى ناحية الشرق فسقط بسبب ذلك دور كثيرة، ومات أمم لا يحصون ولا يعدون.. وهناك مقولة ورواية لصاحب «مرآة الزمان» يروي أن أعداد الموتى قارب المليون نسمة..! والله أعلم، والمتعارف عليه أن المجتمعات الإنسانية في شتى بقاع الأرض ومنذ الأزل، تواجه أزمات وكوارث ونكبات عدة مريرة مؤلمة، سواء أكانت جراء مآسٍ إنسانية بغيضة مفزعة نتاج الثورات والحروب المتعاظمة الممتدة في بلدان الوطن العربي مثل: فلسطين، سوريا، اليمن، العراق، الخ.. أو لأسباب أخرى كالكوارث الطبيعية مثل: الزلازل والعواصف وغيرها من غضب الطبيعة».

إن ما حدث في سوريا وتركيا من نتائج للزلزال المدمر المؤلم، والذي حل بالشعبين الشقيقين السوري والتركي، حقاً لكارثة إنسانية مأساوية بكل المقاييس، كارثة أدمت القلوب وحركت الضمائر الإنسانية، وذلك للمشاهد المرعبة ولهول المشاهد والمنقولة للعالم أجمع مباشرة عبر القنوات الإعلامية المرئية، ومن هذا المنطلق، وتأكيداً لفلسفة العمل الإنساني الإماراتي والذي ينطلق من ثوابت واضحة، تعلي من قيم التضامن مع الشعوب والمجتمعات في أوقات الأزمات والكوارث والمحن، بعيداً عن أي اعتبارات سـياسية أو مصلحية أخرى، أكدت دولة الإمارات تضامنها مع الجمهورية التركية والجمهورية العربية السورية، إثر الزلزال الذي شهده البلدان، حيث أعلنت «قيادة العمليات المشتركة» في وزارة الدفاع، بدء عملية «الفارس الشهم /‏‏‏‏ 2»، لدعم الأشقاء والأصدقاء في الجمهورية العربية السورية، والجمهورية التركية، بمشاركة القوات المسلحة، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، و«مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، و«مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية»، والهلال الأحمر الإماراتي، حيث أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في الجمهورية العربية السورية الشقيقة والجمهورية التركية الصديقة، كما أمر، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بتسيير مساعدات إنسانية عاجلة للشعب السوري الشقيق بقيمة 50 مليون درهم، وذلك لإغاثة المتضررين من الزلزال الأعنف الذي شهدته البلاد منذ عقود، مؤكداً سموه: إن دولة الإمارات العربية المتحدة حاضرة لإغاثة الشقيق والصديق، وجاهزة لدعم الأخوة في مواجهة المصاب الجلل الذي أصابهم.. وفي تصريح سابق للمسؤول الأممي بان كي مون أكد فيه: إن «دولة الإمارات تصدرت قائمة الدول المانحة للمساعدات على مستوى العالم قياساً بدخلها الوطني، وأثبتت من خلال بعثاتها الإنسانية ومبادراتها المبدعة والبناءة على هذا الصعيد أنها جديرة باحتضان المبادرات الأممية، لما تمثله من مكانة عالية لدى الشعوب التي تواصلت مع بعثاتها واستفادت من مساعداتها، ولما تتمتع به أيضاً من مصداقية دولية تمنح العمل الأممي من دولة الإمارات ما يحتاج إليه من عوامل النجاح والاستدامة».

إن المساعدات الإماراتية أسهمت في سد الفجوات الكبيرة في تمويل مشاريع البنية التحتية في العديد من الدول النامية من خلال البرامج الموجهة للتنمية الحضرية والبنية التحتية للنقل وقطاعات الصحة والتعليم والطاقة المتجددة، وعلى الرغم من زيادة مخصصات المساعدات الإنسانية الإقليمية، فإن دولة الإمارات ما زالت تواصل تقديم الدعم لمختلف القضايا الإنسانية العالمية ومواكبة الأحداث والأزمات وتخصص المصادر التمويلية اللازمة لدعمها.

إن المراكز المتقدمة، التي حققتها دولة الإمارات في الأعوام السابقة، والتحسن المستمر في ترتيب الإمارات ضمن كبار المانحين الدوليين للمساعدات الخارجية، جاءت نتيجة الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة في الارتقاء بقطاع المساعدات الخارجية الإماراتية، مستمدة جذورها من الأب المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.

 

* كاتبة إماراتية

Email