الموضوع الأكثر أهمية للجميع

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطرح صحيفتنا «البيان» سؤالاً يبدو شديد الكلاسيكية على موقعها: «ما الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة إليك؟» تقرأ العينان الخبر بسهولة ويسر، قبل أن يستيقظ العقل ويفكر ويدبر.

ما الموضوعات المهمة لكل منا؟ السؤال بالغ التعقيد والأهمية في آن.

تذكرت المشهد العبقري في فيلم الراحل الرائع وحيد حامد بطولة عادل إمام، وتحديداً مشهد المواطن البسيط الذي توجه إلى «مجمع التحرير» لينهي إجراءات نقل ابنه من المدرسة فوجد نفسه متهماً بأنه إرهابي ومعه عشرات المواطنين البسطاء.

وحين سئلوا عن مطالبهم وقعوا في حيرة من أمرهم. لماذا؟ لأنهم لم يفكروا في الموضوعات التي تشكل أولويات في حياتهم من قبل. وفي النهاية، طلبوا كباباً وكفتة مع السلطات!

السؤال الذي تطرحه «البيان» عملية تنشيط ذهني مهمة. للسؤال معنى صحافي مباشر: ما نوعية الأخبار والتحليلات والفيديوهات التي تفضل الاطلاع عليها؟

الأخبار السياسية في دولة أو إقليم ما، رؤى الخبراء حول قضايا عسكرية وأمنية واستراتيجية تؤثر في العالم، تحليل مباريات، تطورات الصناعات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى، أحدث علاجات الأمراض والتنبؤ بها.. إلخ.

لكن الموضوعات التي تشغل بالنا أيضاً تمتد لتشمل قضايا تبدو شخصية. الأزمة الاقتصادية العالمية تشغل الجميع. والاطلاع على شرح وتحليل وتوقع من الخبراء يساعد المتلقي على تخطيط أفضل لميزانيته الأسرية مع توفير قدر أوفر من الهدوء بدلاً من القلق والتوتر اللذين يعصفان بكثيرين.

توازنات القوى العالمية والإقليمية الآخذة في التغير من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، ومن تكتلات كلاسيكية إلى أخرى حديثة غير متوقعة، ماذا تعني؟

وهل من شأنها أن تغير حياة المواطن العادي؟ جوائز الأوسكار، لماذا يغيب عنها العرب؟

وهل من سبيل للحاق بها غداً أو بعد غد؟ الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين ستاراً لها، هل هي قضية دولة ما دون أخرى؟ ولماذا تنشأ هذه الجماعات من الأصل؟ وكيف تتمدد وتكتسب أرضيات لتتحول إلى جماعة متعددة الجنسيات لها أفرع في مشارق الأرض ومغاربها؟

ما الجديد في شركات الهواتف المحمولة؟ ماذا تعني الاستعانة بنماذج «هالوغرام» في واجهات عرض محلات الملابس؟ وكيف تسهل التقنية تشخيص الأمراض وتلقي العلاج؟

لحياة الفنانين الخاصة، ورواتب لاعبي الكرة، وذكريات الساسة الراحلين، ووثائق الحروب السابقة، وأسرار أدوات التجميل، ودور الدين في حياة البشر، وطريقة عمل اللحم بالخضروات والدجاج بالمعكرونة، والتعامل مع الطفل العنيد وقوائم الموضوعات التي تهم البشرية طويلة بطول أعدادهم.

أتوقع أن تتلقى «البيان» الآلاف من رؤوس الموضوعات والقضايا. بعضها سيتطابق، والبعض الآخر يتنافر. وستكون هناك موضوعات تحددها الطبقة الاجتماعية والفئة الاقتصادية ومستوى التعليم ومكان الإقامة.

وستكون أيضاً هناك اختيارات تفوق الخيال ولا مجال لمعرفتها دون السؤال عنها. كما أن البعض - وربما كثيرين - سيجدون أنفسهم مدفوعين للتفكير في ما يشغل بالهم ويؤرق منامهم، أو ما يحبون ويودون معرفة المزيد عنه، أو ما كانوا يظنون أنه أمر غير جدير باهتمام الآخرين. فوائد السؤال عديدة وأبعد بكثير من بساطته وسلاسته.

السؤال مفيد للقائمين على أمر الإعلام لمواكبة وخدمة وإفادة القارئ والمتابع، وهذا ما عودتنا عليه «البيان» منذ صدورها. لكنه أيضاً مفيد للقارئ والمتلقي الذي سيفكر حتماً في القضايا التي تشغل باله ويفضل معرفة المزيد عنها، وهذه المعرفة حتماً ستفيده في حياته ومستقبله.

شخصياً، أحب كثيراً متابعة «الأخبار الأكثر قراءة». أجدها بالغة الفائدة والتثقيف حتى وإن جاءت القائمة مضادة لاهتماماتي، أو حتى مثيرة للقلق من التوجهات العامة. كثيراً ما يأتي الخبر الأكثر متابعة عن علاج بالدجل أو الشعوذة، أو أغنية هابطة تحصد ملايين المشاهدات.

لكن القلق من معرفة ما يدور في أذهان الناس لا يغير ما في دواخلهم، لكنه ربما يعطي من يهمه الأمر لمحة موجزة عمّا ينبغي عمله لرفع الوعي والتثقيف ومخاطبة فئات بعينها بأساليب مختلفة والوصول لهم بطرق أكثر فعالية.

ويبقى سؤال «البيان» عن الموضوع الأكثر أهمية للقارئ والمتلقي. المؤكد أن نسبة معتبرة ستختار موضوعات خبرية بعينها مثل مزيد من الرياضة، أو قدر أكبر من تحليل استراتيجي، أو اهتمام أوسع بالأخبار المحلية وغيرها. لكن المؤكد أيضاً أن السؤال سينجم عنه فتح منجم معرفي عمّا يريده القارئ وهذا هو مربط الفرس في أي عمل إعلامي.

*كاتبة صحافية مصرية

Email