عام الاستدامة في دولة الإمارات امتداد لسجل من الابتكار في العمل المناخي والتنمية المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر عالِم الاقتصاد توماس مالتوس في نهايات القرن الثامن عشر مقالاً يحذّر فيه من تخطي النمو السكاني والاقتصادي قدرة الموارد المتوفرة للبشرية على كوكبنا، وهو ما يعرّضه لمخاطر استنزافها مستقبلاً، بما يؤثر على مستويات جودة الحياة ويؤدي لارتفاع تكاليف السلع وشح الموارد المتاحة.

كان ذلك المقال من أول التحذيرات المكتوبة المسجّلة التي تؤكد على أهمية التنمية الاقتصادية المستدامة، لكن مصطلح "الاستدامة" بحدّ ذاته لم يصبح مستخدماً في قطاع الأعمال سوى في ثمانينات القرن العشرين. وكان ذلك العقد نفسه الذي رسّخت فيه رئيسة الوزراء النرويجية السابقة الحاصلة على "جائزة زايد للاستدامة" عام 2016 غرو هارلم برونتلاند مسار التوعية المجتمعية بأهمية التنمية المستدامة من خلال الكتاب المرجعي "مستقبلنا المشترك"، الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يُعرف أيضاً باسم "تقرير برونتلاند". ومرّ عقد آخر قبل أن تصبح الاستدامة راسخة في مبادئ المسؤولية المجتمعية المؤسسية.

ثم ومع تبنّي أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2015، استعادت لغة الاستدامة مفردات مقالة مالتوس التي تعود للعام 1798 لتشكّل خارطة طريق مشتركة تعزز مقومات السلام والتنمية للأفراد والمجتمعات والكوكب حاضراً ومستقبلاً. 

واليوم، وبنتيجة العمل الريادي لمن وضعوا المسارات الأولى لمفهوم الاستدامة، أصبح هذا المبدأ أساسياً في حياتنا اليومية. ونعمل معاً حالياً، كمجتمعات أكثر وعياً وحكومات ملتزمة بالتخطيط للتنمية طويلة الأجل لمواطنيها، من أجل حلول تلبي احتياجات اليوم، دون تهديد مقدّرات أجيال الغد.

وجاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، عام 2023 عاماً للاستدامة ليتوّج مسار دولة الإمارات العربية المتحدة التي وضعت دائماً الاستدامة في قلب خططها التنموية، في خطوة ملهمة تدعو للفخر والاعتزاز. 

وقد كانت دولة الإمارات سبّاقة في مبادرات العمل المناخي الهادف وبرامج الاستدامة، وهي تواصل قيادة مسار التفاؤل بمستقبل أفضل، أكثر أماناً وازدهاراً للكوكب. فكما قال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه: "نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية."

واستضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف "كوب28" في "عام الاستدامة" حدث في غاية الأهمية. فهي شريك ملتزم ومسؤول وموثوق على المستوى الدولي. وهي في موقع مثالي لتعزيز الإجماع الدولي على تصميم وتنفيذ حلول عملية للحد من الانبعاثات وضمان سقف ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة بحلول عام 2030.

وكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في إعلان عام الاستدامة، ترسم معالم استراتيجية شاملة واثقة حيث قال سموه: "سيكون 2023 (عاماً للاستدامة) في دولة الإمارات، يواكب استضافتنا لــ(كوب 28).. تاريخنا ومنهجنا في الحفاظ على البيئة واستدامة مواردها ثابت.. وأدعو مجتمعنا إلى تبني أفكار جديدة ومبادرات نوعية تجسد الوجه الحضاري لبلادنا."

ومن موقعها كأول دولة في الشرق الأوسط توقع وتصادق على اتفاقية باريس للمناخ، والأولى في المنطقة التي تعلن "المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي 2050"، فإن دولة الإمارات في مكان متقدم لتحقيق رؤية صاحب السمو رئيس الدولة في دعم وتسريع العمل المشترك المبتكر لتحقيق التنمية المستدامة.

وذلك يتضمن عمليات متكاملة شاملة وشفافة قابلة للقياس، لا سيما في آليات عمل مؤتمر الأطراف الخاص بالمناخ.  ويشمل أيضاً مشاركة القطاعين الحكومي والخاص، والمنظّمات غير الحكومية، والشباب، والمجتمع ككل. كما يتطلب تعزيز التمويل المناخي الدولي من خلال حلول التمويل المستدام.

دولة الإمارات، بعرضها قصص النجاح وتسهيلها نقل المعرفة والتكنولوجيا، تعمل على ضمان أهداف المؤتمر المناخي العالمي الأبرز لبناء الثقة وإرساء منظومات تحقق نتائج ملموسة وتخرج بحلول عملية تدعم التحوّل إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الجاري.

كما أن تنظيمها مؤتمر الأطراف "كوب28" في الموقع الذي انعقد فيه "إكسبو 2020 دبي" سيضمن إرثاً مستداماً للحدث، بعد أن نجح "إكسبو" في تحقيق تواصل العقول لصنع المستقبل، وسيصبح موقعه منصة نوعية لاستضافة القمة المناخية العالمية السنوية الأهم، ليجدد التزام مبادئ الاستدامة كأولوية لدولة الإمارات.

ويبقى تحفيز تحوّل عادل وشامل للطاقة ركيزة أساسية في التزام دولة الإمارات بالاستدامة في عامها وما بعده. وفي هذا السياق، سيتواصل تعاون دولة الإمارات مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا". 

واستثمارات دولة الإمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، محلياً وعالمياً، تتحدث عن نفسها. وهي تبني على عقود من الابتكار المناخي لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، حيث تضم اليوم ثلاثة من أكبر مواقع إنتاج الطاقة الشمسية الأقل كلفة على مستوى العالم. وهي أول دولة في المنطقة تطبّق تقنيات التقاط الكربون على مستوى صناعي، والأولى التي تطبق استراتيجية الانبعاثات الصفرية في طاقتها النووية السلمية، وهي رائدة في موارد الطاقة الناشئة ذات الحياد الكربوني مثل الهيدروجين.

إلى ذلك تلعب دولة الإمارات دوراً محورياً كصلة وصل عالمية بين الدول في جهود الاستدامة، حيث قادت استثمارات بأكثر من 50 مليار دولار في مجال مشاريع الطاقة النظيفة في ست قارات و70 دولة؛ 27 منها دول جزرية هشة مناخياً. 

وإلى جانب مشاريع الطاقة المتجددة، تشارك دولة الإمارات بشكل فاعل في مبادرات استدامة أساسية مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" بما في ذلك التوعية والتعليم، وإزالة الكربون، وتوفير مقومات الطهي النظيف في المجتمعات الأقل حظاً. 

وتمثّل المشاريع المشتركة والمبادرات المتعددة التي نعمل عليها في وكالة "آيرينا" بالتعاون مع دولة الإمارات والمجتمع الدولي؛ بما في ذلك المحطات المناخية، النهج الشمولي الذي تعتمده دولة الإمارات لإشراك الجميع في جهود الاستدامة. وهو نهج تواصل توسيعه خلال عام 2023 عام الاستدامة وما بعده، فيما نساعد على تحوّل العالم نحو مستقبل مستدام وطاقة نظيفة متجددة خضراء.

Email