تعامل شركات التقنية الكبرى مع تسارع التحول الرقمي بعد الجائحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشف ظهور الروبوتات التي تتحدث بأصوات البشر النقاب عن بعض ملامح لما يمكن تسميته «بشر يتحدثون بأصوات الروبوتات».

وأعني بذلك بشراً لا مشاعر لديهم. ولا يمكن لروبوت أو أي ماكينة أو جهاز أن يتحدث بنبرة خالية تماماً من المشاعر والأحاسيس، بمثل ما فعلت المذكرة التي أرسلتها شركة «أمازون» الشهيرة للتسوق الإلكتروني إلى موظفيها في مطلع يناير الجاري، بعنوان «تحديث من الرئيس التنفيذي، أندي جيسي، بشأن إلغاء وظائف».

تضمنت هذه المذكرة انتقاداً غير مباشر لأحد موظفي الشركة لتسريبه بعض المعلومات عنها إلى مصادر خارجية.

ولكن جيسي أخفق في أن يقدم في مذكرته تبريراً كافياً ومُقنعاً للقرار الذي تضمنته المذكرة بإلغاء وظائف 18 ألف موظف في كافة فروع «أمازون» حول العالم، سوى المبرر الواهي المتمثل في «تقلبات الاقتصاد العالمي، وأننا عيّنّا أشخاصاً عديدين على نحوٍ متسارع على مدى السنوات الأخيرة»، بحسب ما ذكر جيسي في المذكرة.

ويبقى هناك تساؤل بشأن مدى الراحة التي شعر بها موظفو «أمازون» المتضررون من القرار بعد أن قرأوا العبارة التي وجهها جيسي لهم في المذكرة على سبيل التعزية: «لقد صنعتم فارقاً هائلاً في حياة العديد من العملاء».

مذكرة مارك زوكربيرغ، الشريك المؤسس لشركة «ميتا» (فيسبوك سابقاً) ورئيسها التنفيذي، إلى موظفيه، والتي أخطرهم فيها بإلغاء وظائف 11 ألف موظف في الشركة.

تضمنت اعترافاً من جانبه بأن تدابير حماية الخصوصية الأكثر تشدداً وصرامة التي بدأت شركة «أبل» تنتهجها وتطبقها على هواتفها الذكية خلال الفترة الأخيرة تُعد السبب الرئيس في المأزق المالي الراهن الذي تعانيه «ميتا»، ذلك أن هذه التدابير جعلت الشركات المُعلنة تحصل على معلومات أقل عن طباع وتفضيلات مستخدمي «ميتا» عبر هواتفهم الذكية الشخصية.

فقاعة التقنية

ثمّة عبارة شديدة الأهمية تضمّنتها مذكرة زوكربيرغ أيضاً، حيث تُعد شرحاً كافياً ومقنعاً تماماً لأسباب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها شركات التقنيات الكبرى في الوقت الراهن، أو ما يمكن تسميته بفقاعة التقنية التي انفجرت بعد انتهاء جائحة «كوفيد 19».

قال زوكربيرغ: «عند بداية تفشي الجائحة، اندفع العالم على نحوٍ مُتسارع إلى التعاملات عبر الشبكة الدولية للمعلومات، وازدهرت التجارة الإلكترونية وسجلت نمواً خُرافياً في إيراداتها. واعتقد كثيرون أن ثمة تسارعاً دائماً في نمو التجارة الإلكترونية وسيبقى مستمراً حتى بعد انتهاء الجائحة».

ولا ننسى التصريحات المُفعمة بالثقة التي أطلقها ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، عندما تفشت الجائحة، حيث قال:

«شهد العالم في غضون شهرين فقط تحولاً رقمياً يجري في الظروف العادية في غضون عامين». وقال أيضاً: «ثمة تغييرات هيكلية منهجية عبر مجالات الحلول التقنية التي نقدمها ستحدد الشكل الذي نعيش به حياتنا وتسير به أعمالنا». وانتهى الحال برئيس «مايكروسوفت» التنفيذي وهو يُعلن في مطلع يناير الجاري عن إلغاء وظائف 10 آلاف موظف في الشركة.

وألمح ناديلا في مذكرة إلغاء الوظائف إلى الخطأ الذي ارتكبه مسؤولو الشركات التقنية الكبرى في فهم المتغيرات التي صنعتها الجائحة في بداية تفشيها، فقال: «رأينا العملاء في بداية تفشي الجائحة يُسارعون في زيادة إنفاقهم على التحول الرقمي، بينما نراهم الآن يُعظمون كفاءة هذا الإنفاق بحيث يتمكنون من أداء أكبر قدر ممكن من الوظائف الرقمية مقابل أقل قدر ممكن من الكُلفة».

وفي خضم هذه الظروف السيئة التي تواجهها كبريات شركات التقنية حالياً، تبدو «أبل» الشركة الوحيدة بينها التي تجنبت، حتى الآن، اللجوء إلى إلغاء عدد كبير من موظفيها. وتجنب رئيسها التنفيذي، تيم كوك - حتى الآن أيضاً - إرسال تلك المذكرات الكريهة التي أرسلها نُظراؤه إلى موظفيهم لإخطارهم فيها بإلغاء وظائف بعضهم.

واكتفى كوك فقط بخفض راتبه السنوي، في خطوة أثارت ردود أفعال متباينة عند الإعلان عنها منذ نحو أسبوعين. وحتى موعد إعلان «أبل» عن نتائجها المالية، تبدو الشركة الوحيدة التي لم تفهم متغيرات «كوفيد 19» على النحو الخطأ، فهل ستحتفظ بهذه المزية التي تتفرد بها؟

* محرر ميداني بقسم الاقتصاد لدى «فايننشيال تايمز» البريطانية.

ترجمه بتصرف - سيد صالح

 

Email