الحياة تحتاج للتوازن، هذا الميزان لا بد أن يشمل جميع مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة، ومن دون استثناء حتى في المشاعر والأحاسيس، فعندما نحب يجب أن يكون هناك توازن وتفكير موضوعي ومن دون مبالغة، وعندما نكره يجب أن يكون بقدر معين، بحيث لا يؤثر ويشكل صدمة كبيرة على حياتنا وقلوبنا وعقولنا؛ قد تأتيك الكثير من الصدمات، التي أحياناً لا تتوقعها من الطرف الآخر، فتثير غضبك وألمك وحزنك؛ وقد تتعرض للألم اليومي من زملائك في العمل وأسرتك وربما جارك، أو حتى عابر في الشارع، لذلك فأنت تحتاج للتنفيس عن هذا الغضب ربما بالمواجهة أو إيجاد حل لها أو حتى بإقناع نفسك أنها مجرد عارض وسوف تزول. نعم، ربما تحتاج إلى امتلاك مهارة التطنيش، والبدء بإدارة نفسك، وحديثك ونقاشك مع الصحب والأصدقاء ومديرك وجيرانك، وكل من يلتقيك، وللعلم هذه المهارة الاجتماعية قلة من يجيدها؛ التوازن يعني الهدوء، ويعني التغلب على المشكلات والتحكم بها، وعدم السماح لها بالانقضاض عليك، فالحياة فيها الكثير من المعاناة، فكم أصابنا سوء معاملة أو جفاء من إنسان اعتبرناه صديقاً وحبيباً وقريباً؛ إن في الحياة ألواناً من المواقف والصعاب والمفارقات اليومية، سوف تشاهد أناساً يضحكون لك، ويربتون على كتفك بحب، وهناك آخرون سوف تلاحظ العبوس وانقطاعاً في التواصل معهم، ولن تفهم الأسباب.

الخلافات موجودة، وتحدث ووجهات النظر تتباين بين وقت وآخر؛ ولكن لا تسمح لتلك الخلافات أن تنهي علاقة أخوية أو زوجية أو أي علاقة إنسانية قائمة على المحبة، لذا أحياناً نستغرب تصرفات البعض وعداوتهم من دون سبب واضح؛ لا تعرف سبب كل هذا الجفاء والابتعاد، ومما يزيد ألمك أن ما حدث بينكما ما هو إلا خلاف عابر لا قيمة له أمام ما يجمعكم من محبة وألفة وصداقة، وعلى الرغم من هذا أصبحت بينكما قطيعة كبيرة دامت سنوات.

وفي هذا السياق أتذكر عبارات تصف هذه الحالة «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما.. وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما». إنني متأكدة أن العشرات يعانون من موضوع التعاملات الإنسانية وقد لا يفهمونها؛ نتذكر كيف جمعتنا الحياة مع أصدقاء كنا معهم في السراء والضراء وربما أعطيناهم أهم أسرارنا ثم ندمنا بعد ذلك بسبب بعض الخلافات البسيطة التي تحولت لكارثة فيما بعد؛ تراثنا محمل بالحكم والمواعظ التي تحذر من إفشاء السر. منها ما قاله الإمام الشافعي: "إذا المرء أفشى سره بلسانه.. ولام عليه غيره فهو أحمق).

إنني لست ضد الثقة بالآخرين، ولا تسطيح الصداقة والأصدقاء ولكنها دعوة للتوازن في حياتنا فهي مهارة اجتماعية يمكنها أن تفيدنا في جميع الاوقات في علاقاتنا مع المجتمع ككل.