نعيش في مجتمع لديه عاداته وتقاليده، مجتمع متكاتف مترابط ومتماسك، فالأسرة هي عماد هذا المجتمع، يحثنا ديننا الإسلامي الحنيف على حمايتها، والسعي نحو ترابطها. ومن أبرز تلك العلاقات، احترام كبار المواطنين، والاهتمام بهم ورعايتهم، لذا، نجد الاهتمام الكبير من القيادة الرشيدة بهم، فأنشأت لهم مؤسسات اجتماعية لترعاهم في مختلف الجوانب، النفسية والصحية والاجتماعية.
ولكن ربما نتيجة الحياة المعاصرة، توجد قصص ونماذج في المعاملة السيئة لكبار المواطنين، والنفور والهروب من واجب الاهتمام بهم، وأقصد بعض الأبناء الذين يتعمدون، ربما بعد زواجهم، عدم رعاية والديهم، والاهتمام بهم، وعدم منحهم الحقوق والواجبات، فقد قال الله -تعالى- في حق الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:23-24)، وإن دلَّ ذلك، فإنما يدل على عظمة حقهما، وعظمة إثم مَن عقّهما، أحدهما أو كليهما.
البعض عندما يكبر والداه ويتقدم بهما العمر، يبدأ في الابتعاد عنهم، وعدم منحهم الرعاية النفسية والصحية، ونظراً لانشغال الأبناء، نجد أن هذا الاهتمام يتضاءل، بل في أحيان يشعر بعض الوالدين بثقلهم، فيؤثرون الرحيل أو اللجوء إلى دور رعاية المسنين.
وتزداد تلك الفجوة مع الوقت، بين كبار المواطنين وأبنائهم، في اختلاف الآراء والخبرات، وتكون النتيجة لصالح الأبناء، وذلك لأن الكبار قد وهنت عظامهم، وضعفت ذاكرتهم، وداهمتهم أنواع شتى من الأمراض، بينما الشباب يعيشون في حيوية ونشاط وهمة، ولكن للأسف، بعض الشباب قد يتجاوز في التعامل مع والديه بأسلوب قاسٍ، مع عدم الاحترام، ورفع الصوت.
إن كبار السن أكثر حساسية، ورغم أننا أحياناً نتحدث معهم بعفوية، ولكن قد يكون وقعها جسيماً وكبيراً، وتترك أذى في النفس.
العناية والاهتمام بالأحباء من كبار السنّ، تتطلب مهارة ومعرفة، وحباً واهتماماً، ولا مانع، إن أمكن، أخذ دورات تدريبية، فهي سوف تفيد في التعامل معهم، إنهم يحتاجون إلى أن تسمع لهم، وتسعى وترد وتبتسم بحب وأدب واحترام وعطف.
ربما طبيعة الحياة الحديثة، غيّرت كثيراً من قيم الإنسان، بل حتى من أولوياته الاجتماعية، لكن ليس هذا مبرراً لنترك أسرنا وأحباءنا، ونسعى نحو الجحود، والانشغال الوظيفي خلف تأمين لقمة العيش، لا يوجد عذر لعدم رؤية والدينا لأشهر عديدة، وهم يسكنون معنا في نفس المدينة، أتمنى من الجميع أن يراجع نفسه، ولا ينسحب خلف مغريات الحياة، فهؤلاء أحياناً يحتاجون الاهتمام والحب والرعاية، حقيقة، أتمنى أن نرى دورات متخصصة، تنطلق من المدارس، وتوضع في المناهج، لتوعية الشباب وتثقيفهم في كيفية التعامل مع كبار السن.