طبيعة الحياة المتسارعة والهموم اليومية المتراكمة تتزايد وتكثر بشكل كبير ونستشعر بها على كواهلنا؛ لذلك فإننا بحاجة لبعض التنظيم والترتيب وإدارة الوقت، وكل ذلك لن يتأتى إلا بالمعرفة والسعي نحو قراءة علوم تطوير الذات وفن إدارة الوقت وإدارة الضغوط وكيفية التخلص منها، ولكن نلاحظ في الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في مدربي هذه الدورات التدريبية؛ تجدهم في منصات التواصل الاجتماعي وبعضهم يحمل شهادات إجازة واعتماد من دول أوروبية ولديهم الكثير من المناصب الرنانة البراقة ويقيمون دورات ويتقاضون عليها مبالغ مالية كبيرة. وهناك الكثير ممن يلتحقون بمثل هذه الدورات التدريبية ويدفعون مبالغ سعياً للحصول على الشهادات وأن يصبح مدرباً معتمداً في تنمية القدرات وتطوير الذات والتغلب على المشكلات.

المشكلة أن هؤلاء لديهم جمهور ومتابعون وصارت لهم شعبية كبيرة حتى باتوا مدربين معتمدين في مجال من المجالات الحيوية المهمة سواء العملية والتعليمية، وقد يكون البعض لديه شهادة مزيفة أو مزورة، والغريب أنه لا يتم اكتشاف هذا الأمر إلا بعد فترة طويلة، لذلك أتمنى من الجهات المختصة ذات العلاقة من الهيئات الرقابية والتعليم العالي ووزارة التربية وغيرها وضع ضوابط وسن قوانين تنظم مثل هذه الدورات والورش التي صارت في كل مكان، فمن غير المعقول أن تكون هناك دورة بعشرة آلاف درهم تعلمك كيف تصبح مدرباً معتمداً؟ في فترة زمنية محدودة؛ فقط تدفع مبلغاً وتأتيك الشهادة عليها اسمك ومختومة وموقعة من أحد المراكز المتخصصة! إن هذا الأمر فيه سرقة وغش وتزييف وخداع؛ كيف يمكننا بعد ذلك أن نثق في كل تلك الإعلانات التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي، وربما تقتحم بريدك الشخصي وتفرض نفسها في المسجات الخاصة بك بشعارات براقة وتقدم لك حزمة من الورش والمحاضرات وكلها في فن التعامل مع نفسك وذاتك؟ إنني لا أعترض على الفكرة ولكن اعتراضي على عدم وجود قيد وشروط صارمة لمثل تلك الإعلانات التي نكتشف في النهاية أن صاحبها ليس له علاقة لا في تنمية الذات وتطوير القدرات وإدارة الوقت وغيرها إلا أنها نوع من التشويه والاستغلال. 

بعض هذه الدورات التي تضرب على نقاط معينة وتستهدف فئات في المجتمع؛ كيف تكون سعيداً في حياتك، كيف تتعامل مع الضغوط، أو كيف تتعامل مع الطفل العنيد، أو كيف تسعدي زوجك، وكيف تصبح كاتباً في أسبوع، وكيف تصبح مديراً ناجحاً في يومين.. وغيرها من الدورات التي يتم الإعلان عنها. والمذهل أن هذه الدورات ورغم ارتفاع أسعارها بالآلاف ولكن نجد إقبالاً كبيراً من الناس على مختلف تخصصاتهم، كما أن بعض هذه الدورات تطرح مواضيع كبيرة جداً في ساعتين أو في يومين والفترة الزمنية لا تتناسب أبداً مع هذا الموضوع، على سبيل المثال كيف تتعامل مع ضغوطك النفسية والزوجية مثل هذه الدورات لا يمكن إنجازها في وقت قصير وقيمتها أسعار خيالية.

أعتقد اليوم أننا بحاجة لتوعية من هذه الورش التي تقام تحت ذريعة التعليم والمعرفة وتعتبر بحد ذاتها نصباً واحتيالاً، أتمنى أن نشاهد برامج توعوية ورقابية على مثل هذه البرامج والاستغلال الحاصل من قبل أصحابها، كما أتمنى أن تبادر القطاعات الثقافية والإعلامية وغيرها بتقديم محاضرات مجانية بهدف توعية الناس، وتقديم ندوات ومحاضرات وورش عمل لمختلف المواضيع الحياتية، كخدمة للمجتمع.