انتبهوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لست مع وجهات نظر تروج لمجهول قادم في تونس، ولم يقلقني ما يثار بشأن خطوات وأجواء ونتائج الانتخابات البرلمانية التونسية، ولم تهزني موجات التنظير حول المستقبل التونسي المقبل. ولدي ثقة كبيرة بوعي الشعب التونسي في استكمال مراحل البناء، التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيد.

الانتخابات التشريعية استحقاق واجب وضروري ومهم وضاغط، وسط حالة تربص تحيكها حركة النهضة وروافدها الإرهابية. ما جرى خطوة إلى الأمام نحو مزيد من الاستقرار يمكن البناء عليها، واستدراك ملاحظاتها.

مقاومة القرارات الوطنية خطأ يصب في مصلحة المناوئين لاستقرار البلاد. تونس تواجه معضلات وعقبات كبرى لقوى مناهضة للمشروع الوطني. ذكاء التونسيين لن يغفل دروس الماضي. التحرك إلى الأمام السبيل الآمن في هذا التوقيت. ذاكرة بلاد الزيتون حافلة بعشرية سوداء، تستوجب استدعاء الصفحات البيضاء بتوقيع الرئيس قيس سعيد.

إعادة الأوطان شيء مُكلِف. تقدير المواقف الصحيحة يدركه جيداً الشعب التونسي، وسط أعاصير هائجة من كل حدب وصوب. اللعبة لم تنته بعد. تونس هدف رئيسي في جدول أعمال ما يسمى بـ«الربيع العربي». العودة هنا واجبة للصفحات البيضاء في كتاب العشرية السوداء. فصل الخطاب بتاريخ 25 يوليو من العام الماضي الذي قرر فيه الرئيس التونسي سلسلة إجراءات استثنائية، تشمل إقالة الحكومة، وتعطيل عمل البرلمان، فضلاً عن إجراءات أخرى تضمنت إقالة مسؤولين في الحكومة، وذلك استناداً للمادة 80 من الدستور التونسي، التي تتيح لرئيس الدولة التدخل في «حال الخطر الداهم».

قرارات فاصلة قطعت الطريق أمام توغل «النهضة» في مفاصل الدولة واختطاف هويتها. التوقيت آنذاك كان البطل، لو تأخر قليلاً لكانت الأحوال غير الأحوال. النسيان آفة الساسة. تمهيد الطريق أمام الاستقرار لا يعني نسيان تعقيدات الماضي. ما نتابعه ونرصده الآن في المشهد التونسي، من تجاذبات بين كتل سياسية، تنتفض حول نسب المشاركة في الانتخابات أو نتائجها، أمر يدعو للقلق من الوقوع في فخ العودة بتونس إلى مربع التأزيم، وفتح الباب أمام محترفي السباحة في بحور الفوضى.

صفحة بيضاء أخرى فاصلة في كتاب العشرية السوداء، تلك المتعلقة بإحالة قيادات «النهضة» وفي مقدمتهم راشد الغنوشي، إلى التحقيقات القضائية في جملة من القضايا المرفوعة ضدهم، بشأن التحريض على قتل قوات الأمن، وتنفيذ عمليات الاغتيالات السياسية، فضلاً عن الفساد المالي والإداري. من دون شك، فإن هذه التحقيقات جاءت بمثابة الضربة القاصمة لحركة النهضة، سيما أن الوثائق والمستندات فضحت أمرهم أمام الرأي العام التونسي.

إذاً، ونحن نتحدث عن هذه الانتخابات التشريعية، يجب ألا ننجرف نحو عاطفة الرمال السياسية المتحركة، وأن نتوقف ملياً أمام عدة ملاحظات، أراها غاية في الأهمية:

الأولى، تدق لنا جرساً بألا ننسى العشرية السوداء وتفاصيلها التي كادت تودي بهوية دولة بحجم الحضارة التونسية.

الثانية، تتمثل في ضرورة أن نقرأ جيداً، وبعمق، تفاصيل الصفحات البيضاء التي خطتها قرارات الرئيس قيس سعيد. يجب ألا نطوي هذه الصفحات دون أن ندرك أنها حاصرت «النهضة» وأذرعها، وأنها كانت الرسالة المهمة للمشروع الوطني التونسي، وأن حبر هذه القرارات، وإرادة القيادة التونسية وراء إخراج «النهضة» من حسابات استحقاقات تونس الجديدة.

الثالثة، تضيء أمامنا إشارة حمراء، بأن هناك بعض الأطراف تحاول المتاجرة، وإشعال الفتنة، بسبب هذه الانتخابات التشريعية، في حين أن هذا الاستحقاق - رغم ما قيل فيه من ملاحظات - قطع الطريق أمام الإخوان، وحرمهم من المشاركة، بل حال دون تغلغلهم في مفاصل الدولة.

أما الرابعة، فتتطلب من الشعب التونسي التضافر، والامتثال لصوت العقل الذي ينحاز لهذا الاستحقاق الوطني، والالتفاف حوله من أجل البناء عليه، كمرحلة مهمة في مشروع الدولة الوطنية، وضرورة الانتباه إلى أن أية خلافات أو أزمات لن تكون في صالح الاستقرار التونسي.

 

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

Email