ترامب لم يغادر المشهد السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة تحول لافت شهده الإعلام السياسي المحسوب على الحزب الجمهوري، أو الفكر المحافظ عموماً، في الولايات المتحدة الأمريكية، في الأسبوع الماضي، بعد نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي اعتبرت على نطاق واسع، مخيبة لآمال الحزب.

وتمثل هذا التحول في نشر عدة مقالات وأعمدة رأي في صحف أمريكية عريقة، ولصحافيين مرموقين، توجه انتقادات حادة إلى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب،.

والذي كان يُمنّي نفسه بنتائج قوية للحزب في انتخابات التجديد النصفي، تدعم حملته الرامية للفوز بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، المزمع إجراؤها نوفمبر 2024. فعلى سبيل المثال، نشر المدون الأمريكي الأشهر، بن شابيرو، مدونة بعنوان «دونالد ترامب يقيناً ليس قائد الحزب الجمهوري».

كما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، افتتاحية بعنوان «ترامب الخاسر الأكبر في الحزب الجمهوري». وعلاوة على ما سبق، صحيفة «نيويورك بوست»، الصحيفة المفضلة لدى ترامب ذاته، وتصدر من ولاية نيويورك، التي هي مسقط رأسه، فقد جاءت بعنوان يحمل سخرية مريرة منه، ووصفته بأنه «ترامبتي دامبتي»، ووصفته بأنه عانى سقوطاً هائلاً.

بل والأصعب من ذلك، أن الصحيفة بدأت تروج لحاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، خصم ترامب العنيد، ومنافسه القوي، على الفوز بتذكرة الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة 2024، بل إنها وصفت دي سانتيس صراحةً، بأنه مستقبل الحزب.

وبالتزامن مع ذلك، بدأ أعضاء بارزون في الكونغرس عن الحزب الجمهوري، وأيضاً قادة ورموز الفكر المحافظ في الولايات المتحدة، يتساءلون بشكل علني مطروح عبر وسائل الإعلام، عما إذا كان الوقت قد حان لنزع عباءة الحزب عن ترامب.

وعندما أعلن ترامب بصفة رسمية، بعد نتائج انتخابات التجديد النصفي، عن نيته خوض السباق الداخلي في الحزب للفوز بتذكرة الترشح لانتخابات الرئاسة، جاءت ردود الأفعال من داخل الحزب نفسه، حيال هذا الإعلان، متباينة، مع زيادة لافتة لردود الأفعال التي يمكن وصفها بالباردة.

ولم يرحب بهذا الإعلان سوى عدد محدود من أعضاء الكونغرس عن الحزب، بينما أبدى العدد الأكبر من نواب الحزب، رغبتهم بأن تتوافر خيارات أكثر وأوسع نطاقاً من ترامب ودي سانتيس، للتنافس على ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة. حتى إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس السابق ومستشارته السابقة، عقب إعلانه الترشح مباشرة، أصدرت بياناً صحافياً مُبهماً، تنأى فيه بنفسها عن حملته الرئاسية، من دون أن يتضمن البيان حتى تأييداً صريحاً له في حملته.

ولكن على الرغم من كل ما سبق، يبقى الاعتقاد بأن شمس ترامب السياسة قد بدأت مسيرة الأفول، اعتقاداً غير مؤكد، كونه لم يخض بعد اختباراً حقيقياً يؤكد صحته. بل على العكس، يواجه هذا الاعتقاد عدداً من الحقائق، تشير جميعها إلى أن ترامب يحظى بقاعدة من المؤيدين، تتسع على نحو متسارع. وعليه، يبقى ترامب هو المرشح الأوفر حظاً داخل الحزب، للفوز بتذكرة الترشح لانتخابات الرئاسة، ويمتلك من المميزات، ما لا يمتلكه أي شخص آخر من كوادر الحزب.

ومن أبرز هذه الحقائق، أن ترامب شخصية معروفة عالمياً، على النقيض من دي سانتيس، الذي تقتصر شهرته على الصعيد المحلي فقط. ولا يزال ترامب محبوباً لدى شريحة ليست بالقليلة من الأمريكيين، الذين يكنون له شغفاً لا يمكن إنكاره.

ولا يزال ترامب يحظى بتغطية إعلامية مكثفة، لأي شيء يفعله، حتى وإن كان هذا الشيء لا يمت للسياسة بأدنى صلة، الأمر الذي يؤكد أن هناك أعداداً كبيرة من الناس على مستوى العالم، لا يزالون شغوفين بمتابعة أخبار هذا الرجل المثير دوماً للجدل.

والأهم من كل ذلك، أن ترامب يتمتع بتمويل وفير، يغطي تماماً كافة ما يحتاجه وما سيحتاجه، كي يخوض الانتخابات الداخلية للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة. وكما نعلم جميعاً، فإن التمويل هو كلمة السر الفاصلة في تحديد مسار أي انتخابات تجري على أرض العام سام.

من أجل كل ما سبق، نقول إن الولايات المتحدة لم تضق ذرعاً بعد بترامب، ولم يطفح الكيل بها منه، ولا تزال احتمالات عودته إلى الساحة السياسية غير قابلة للتجاهل.

* صحافية متخصصة في الشؤون السياسية لدى مجلة «يو إس نيوز أند ورلد ريبورت»

Email