تحدي القراءة و«تريند العرب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن «تريند العرب» في تلك الليلة حادث قطار، أو نبأ زواج أو طلاق أحد المشاهير، أو حتى حدثاً رياضياً قادماً من إحدى الدوريات الأوروبية، ولم يكن كذلك مسابقة استكشاف موهبة فنية، يصوت لها الجماهير، فعلى غير العادة جاءت المتابعة الأعرض، والأخبار والفيديوهات الأكثر تواتراً وكثافة، لحدث ثقافي معرفي بامتياز، وذلك حينما توجهت الأنظار، وقبلها القلوب.. صوب دبي، التي استضافت حفل تتويج الفائز بجائزة تحدي القراءة العربي في نسختها الـ6.

توج الحدث، الذي أقيم برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إنجازات دوراته المتراكمة، بحفل عكس محورية الفعل الثقافي في الإمارة، ونجحت مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية في هذا المضمار، تماماً كما نجحت في مبادرات إنسانية واجتماعية وتعليمية ورقمية وتوعوية وصحية، معلنة مشاركة 22 مليون طالب من 44 دولة، في منافسات نسختها الأحدث.

ربما يرد البعض حجم المتابعة الجماهيرية، التي بدت أكبر وأشمل هذا العام، لحالة الإعجاب والمساندة والتعاطف، الذي حظيت به المتسابقة، والتي أصبحت في ما بعد المتوجة باللقب، الطفلة السورية شام البكور، وذلك بعد انتشار فيديو، يبرز مهارتها الاستثنائية في التخاطب، والإلقاء باللغة العربية الفصحى، وهو تصور يبصر جانباً واحداً فقط من حقيقة المشهد، ولا يتصف بالشمولية، ويتجاهل الكثير من العوامل الأساسية الأخرى، التي يمكن أن تفسر مجتمعة أسباب تصدر حدث ثقافي اهتمامات المتابع العربي، من المحيط إلى الخليج.

شخصياً كنت من أوائل المهنئين لشام «العرب» بقبلة على جبين البراءة والمعرفة، التي تجلت على مسرح التتويج بثقة واقتدار، حاورت بهما أعضاء لجنة التحكيم، وتفاعلت مع مقدمي الحفل، والحضور، قبل أن تتسلم درع التتويج بثقة مضاعفة، أبهرت جميع من امتلأت بهم قاعة الحفل، لكن الحدث الذي شمل أيضاً العديد من الفئات الأخرى، كان وراءه فريق مبدع، ومن قبله قائد ملهم.. حلم بالفكرة.. وصاغها رؤية وأمر بتنفيذها، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

وتابع فريق مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم تفاصيل «التحدي»، منذ انطلاقه حتى مرحلة التتويج، وفي كل مرة لم يكن هناك شيء وليد الصدفة، فالمنافسات التي شهدت إقبالاً كثيفاً تتم بشكل دوري محدد قبل إعلان النتيجة بكل دولة، وهكذا جاء أيضاً حدث التتويج، الذي شهد حضوراً كثيفاً من جهات إعلام عالمية وإقليمية ومحلية، ووفود الدول المشاركة، والرعاة، وذوي المتنافسين، وغيرهم، ومضت فقراته بنا حتى ختامها، دون أن يخفت اهتمام الناس ومتابعتهم للحديث عن إنجاز الصغيرة شام، والواقع الجديد الذي صاغه تحدي القراءة العربي، في علاقة الجمهور والمتابعين بـ«التريند»، ومواصفاته في محيطنا العربي.

والآن وبعد أن سكت الكلام قليلاً عن تفاصيل تلك الليلة، واستثنائية البطلة شام، وما روي عنها، يمكن لنا أن نبني على ما تحقق، ونصبح أكثر إيماناً بقدرة الثقافة والمعرفة وقضاياهما على اقتطاع مساحة أوسع من اهتمام الناس، وهو أمر لن يتحقق أيضاً إلا حينما يتماس نتاج هذا القطاع مع مزاج الناس وأولوياتهم، ويتم طرح المحتوى بأساليب ووسائل وحلول، يمكن أن تسترعي اهتمامهم، وكما شغلت شام الجميع على مدار الأيام الماضية، في سياق يحسب لفريق تنظيم تحدي القراءة العربي، فإن المؤسسات الثقافية عليها الاستفادة من التجربة، وصناعة شام جديدة كل يوم، بشرط أن تستلهم هي نفسها كفاءة فريق التحدي، كي تظل في دوائر اهتمام الناس والجمهور، منافسة على نصيب عادل، أو على الأقل مقبول من اهتمامه.

Email