استوقفني كثيراً حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، أثناء مشاركته في مؤتمر «المناخ» بمدينة شرم الشيخ، حديث يؤكد الاهتمام الكبير لدولة الإمارات بهذه القضية، وصية المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بشأن قضايا المناخ يقوم بتنفيذها الأبناء.

رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد جاءت قاطعة وفاصلة، إذ قال: «نجتمع في وقت حرج لكوكبنا، فعالمنا يواجه العديد من التحديات.

ومن أهمها تغير المناخ الذي أصبح يؤثر في الاستقرار والأمن في العالم، وبما أننا لا نملك إلا أرضاً واحدة، من الضروري أن نوحد جهودنا لمعالجة هذا التحدي، من خلال العمل المناخي الذي ننظر إليه كونه فرصة للابتكار وإيجاد الحلول وتنويع الاقتصاد». نعم رسالة أبناء زايد، واضحة وجلية، مسيرة الفكرة والمشروع والهدف، تسير على قدم وساق.

الواقع الآن يؤكد أن حكيم العرب كان سباقاً، وثاقب الرؤية تجاه مخاطر التغيرات المناخية، فكان دائم الحرص على وقف عمليات حرق الغاز منذ عقود، وأرسى ركائز الاستدامة في دولة الإمارات حفاظاً على البيئة والموارد الطبيعية، سار الأبناء على هذا النهج، صاغت الإمارات استراتيجية للعمل على تنويع الاقتصاد، وبناء القدرات في الطاقة المتجددة والنظيفة.

والوصول إلى الحياد المناخي عام ٢٠٥٠، وتبنت سياسات وفلسفة دفعتها للفوز بتنظيم مؤتمر المناخ (COP 28) في عام ٢٠٢٣، حدث مهم إقليمياً وعالمياً، يقوم على فكرة التكامل والبناء على مخرجات ونتائج المؤتمرات السابقة، وفي مقدمتها مؤتمر شرم الشيخ (COP 27).

التحديات تتحول إلى فرص، لم يعد لدى العالم رفاهية إضاعة الوقت، لابد من التحرك السريع والعاجل والجاد، الإمارات تؤكد روح العمل الإيجابي وتقديم جميع أنواع المساعدات للمجتمع الدولي من أجل إنقاذ البشرية، التي بات مستقبلها محاصراً ومهدداً، اللافت للنظر هنا أن (COP 28) الذي تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لتنظيمه في إكسبو دبي عام ٢٠٢٣، يكتسب أهمية مضاعفة، يأتي في مقدمتها:

أولاً: إن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أكد روح التعاون مع أشقائه المصريين، في الاستفادة، والبناء على ما توصل إليه مؤتمر شرم الشيخ.

ثانياً: إن تكرار مؤتمر بهذا الحجم في دولتين عربيتين مهمتين يسهم بشكل كبير جداً في تعميق أهمية المنطقة العربية عالمياً، سيما أن في المؤتمرين يحل العالم - قادة وزعماء - ضيفاً في بلدين عربيين يدقان جرس الخطر أمام كل شعوب وحكومات العالم لإنقاذ مستقبل الكوكب.

ثالثاً: إن هذين المؤتمرين يفتحان الآفاق أمام القادة العرب للمشاركة والمناقشة مع قادة وزعماء العالم، ليس فقط حول مخاطر تداعيات المناخ، بل إنما هي أيضاً فرصة للحضور العربي بقوة لفتح نقاشات في القضايا المرتبطة بشكل غير مباشر بقضية المناخ، وتمثل أهمية قصوى في هذا التوقيت، سيما أن العالم الآن يمر بمرحلة تحديات خطيرة.

وبالتالي فإن وجود مدينة شرم الشيخ ومدينة دبي على مدار عامين متتاليين في مركز حديث العالم، أمر من شأنه أن يمثل قوة مضافة للعرب جميعاً في الحديث أمام العالم، عن مخاطر ما يحدث، ويؤكد أن العرب يقودون العالم في التعامل مع مخاطر المتغيرات المناخية والحفاظ على شعوبها.

رابعاً: إن فوز كل من مصر والإمارات، بتنظيم مثل هذه المؤتمرات والاستحقاقات البشرية، سوف يمنح العالم الثقة في الدخول نحو مزيد من الاستثمار في البلدين، ويقوي مناعة العرب في فرض مبادرات عالمية أخرى.

أخيراً أرى أن فوز دولة الإمارات بتنظيم COP 28، أمر غاية في الأهمية، ويمثل مكسباً إضافياً للعرب بعد COP 27، وأن الإمارات ستبذل كل الجهود من أجل إنجاح هذا الحدث العالمي، سيما أنها أول دولة في الخليج تستخدم استراتيجية الطاقة المتجددة.

وتتطلع لرفع معدلات توليد الطاقة النظيفة إلى ٣٠ في المئة بحلول ٢٠٣٠، فضلاً عن أن الإمارات على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، تعمل بعمق شديد على مواجهة هذه المخاطر، ويكفي أن أتوقف أمام جائزة البيئة التي حصل عليها حكيم العرب في ٢٩ مارس ١٩٩٨، من منظمة المدن العربية، وذلك عرفاناً لجهوده في مجال الحفاظ على البيئة وإسهاماته في التشجير وإقامة المحميات الطبيعية.

إذاً كل الشواهد تقول إن COP 28، سيكون إضافة مهمة، ليس فقط لدولة الإمارات، أو للمنطقة العربية، بل إنه استجابة إماراتية لاستغاثة كوكبية ثانية، بعد الاستغاثة التي شهدتها مدينة شرم الشيخ.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي