مصر والإمارات ونقطة التلاقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قليلة هي الاحتفالات الرسمية التي تحمل في قلبها مشاعر إنسانية حقيقية، وليس فقط دبلوماسية السياسة وقواعد البروتوكول.

الاحتفاء بنصف قرن من العلاقات الدبلوماسية بين مصر والإمارات يبدو عنواناً مناسباً لمانشيتات الصحف وعناوين نشرات الأخبار. لكن حقيقة الاحتفاء جديرة بما هو أكبر وأعمق. وهل هناك ما هو أكبر وأعمق من المشاعر الإنسانية المعضدة بالتجربة الحياتية والواقع المعيش؟!

الواقع المعيش يشير إلى وجود نحو 765 ألف مصري ومصرية في الإمارات (تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري لعام 2018). ويشير أيضاً لتحول الإمارات، لا سيما دبي لوجهة مفضلة للإجازات لكثير من المصريين.

ويشير كذلك لشعور واضح لا يحتاج بحثاً وتقصياً بأن إخوتنا القادمين من الإمارات لتمضية عطلة أو لإبرام أعمال في مصر لا يحملون هموم السفر لبلد غريب أو التعامل في بيئة غير مألوفة.

«مصر والإمارات.. قلب واحد». العنوان ربما يكون لفعالية جميلة عقدت في مصر قبل أيام احتفاء بمرور 50 عاماً على علاقات البلدين. الجوانب العملية بالطبع هي ترسيخ العلاقات والتأكيد على صياغة مستقبل أكثر تعاوناً وإنجازاً وتحقيقاً لطموحات وتطلعات الشعبين.

أما الجوانب النفسية والعاطفية فهي تأكيد على تفرد هذه العلاقة وأبعادها التي لا تقف عند حدود مصالح مشتركة وتعاون في الضراء قبل السراء دون حسابات المكسب والخسارة المعتمدة على الورقة والقلم.

الورقة والقلم يقفان عاجزين أمام شرح ما يشعر به المواطن الإماراتي أثناء زيارته للحسين أو تجواله على غير هدى في شوارع «وسط البلد» أو تناول وجبة كشري أو كباب وكفتة في السيدة زينب أو خان الخليلي. والورقة والقلم يتعثران في تلخيص شعور المصري المقيم في الإمارات للعمل أو الزائر لها، حيث الراحة النفسية سمة سنوات العمل والشعور بأنك تمضي إجازة دافئة المشاعر عنوان الرحلة.

رحلة العلاقة بين الشعبين، ولا أقول فقط البلدين، دالة. تدل على أن العلاقات بين البشر ليست متطابقة. المصالح تحكم الكثير منها، ولا يمكن إنكار ذلك أو التنديد به، فهذه سنة الحياة، لكن التقارب والتشابه وتلاقي الأرواح أمور ربما يصعب توثيقها بالبحث العلمي والاستقصاء الاقتصادي، لكنها حاكمة.

الحكم على متانة علاقات أو قدرتها على الاستدامة يتطلب أموراً عدة، بعضها عاطفي يصعب شرحه بالكلمات، والبعض الآخر يتعلق بمصائر مشتركة وأهداف متشابهة ومصالح متكاملة.

ويمكن القول إن الكثير من تفاصيل قمة المناخ «كوب 27» التي تستضيفها شرم الشيخ المصرية نموذج لماهية العلاقة بين مصر والإمارات.

فالإمارات التي ستستضيف القمة المقبلة «كوب 28» ستتعاون بشكل وثيق مع مصر، لدعم الزخم من أجل إحراز مزيد من التقدم في العمل المناخي.

كما أن الإمارات خلال استضافتها «كوب 28» ستعمل للتوصل إلى إجماع عالمي من أجل تحقيق تقدم فعلي في العمل المناخي. وستستفيد الإمارات أيضاً من سجلها الحافل في مجال التكنولوجيا النظيفة المبتكرة لتقديم حلول من أجل تنمية مستدامة تقود إلى مزيدٍ من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للجميع.

سفيرة الإمارات لدى مصر مريم خليفة الكعبي، حين قالت قبل أيام إن استضافة الإمارات لـ«كوب 28» ومصر لـ«كوب 27» تعزز التعاون المشترك في العمل المناخي والبيئي وخطط البلدين لتحقيق التنمية المستدامة لم تكن تصريحاً صحافياً أو دبلوماسياً لا بد منه، بل كانت تتحدث عن واقع عملي.

تحدثت السفيرة عن تبادل الخبرات في مجال تغير المناخ بين البلدين، لا سيما وأن مخاطره وتحدياته تطل برأسها على كافة قطاعات التنمية.

الحديث عن العمل المشترك والمستقبل الواحد والمصائر المرتبطة ببعضها البعض كثيراً ما يصطدم وقت التطبيق بتغيرات السياسة وتقلبات الاقتصاد واختلافات وخلافات التوازنات والمصالح، لكن حين يتعلق الأمر بالمبدأ الشكسبيري «نكون أو لا نكون»، فإن العمل المشترك ينتقل من خانة النظرية إلى وضعية التطبيق.

قنبلة تغير المناخ لم تعد موقوتة، بل باتت متفجرة فعلياً، حيث موجات جفاف وأعاصير وفيضانات ضربت مناطق عديدة في العالم على مدار الأشهر القليلة الماضية بشكل متواتر ومخيف. ومن لا يدرك أن استمرار اعتبار تغير المناخ رفاهية، أو شأناً قابلاً للتأجيل والتسويف، أو ملفاً يمكن لكل دولة أن تتناوله منفردة بمعزل عن الآخرين فإنه حتماً يضر نفسه والآخرين.

مرة أخرى، يمثل نوع التعاون بين مصر والإمارات في قمتي المناخ نموذجاً حقيقياً لنجاح التعاون القائم على قناعات مشتركة ومصالح واحدة وفهم ومنطق متطابقين، بالإضافة إلى تاريخ ضارب في الرسوخ وتقارب إنساني لا يحتاج جهداً في التعريف.

«مصر والإمارات قلب واحد» عنوان احتفالية وترجمة لواقع مستدام وملخص وضع قائم. علاقة البلدين ليست قائمة على مصريين يعملون في الإمارات، وإماراتيين يمضون عطلات في مصر ويرتبطون بها بعلاقات عمل. علاقة البلدين ترجمة فعلية لنقطة تلاقي المنطق والعاطفة، والعقلانية والمشاعر الإنسانية. هي نقطة تلاقي نادرة، لكنها موجودة، وتحمل الحسنيين: حسن العقل وحسن المشاعر.

*كاتبة صحافية مصرية

Email