الإبداع يبدأ من الخيال

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإبداع يبدأ من الخيال، ولو لم نكن نتخيل ونحلم ونتوهم، لما أدركنا كل هذه المنجزات، ولم يكن الإنسان قادراً على تحقيق كل هذه الاختراعات والابتكارات، فالخيال هو الركيزة الأولى، فكانت البداية من نظرات الإنسان البدائية نحو السماء والنجوم والقمر، وتخيله بأنه يطير كالعصافير، ثم تحول هذا الخيال لعملية عملية على أرض الواقع، وانتقل هذا الخيال من الورق والدراسة والعلم، إلى الواقع، كتجارب وممارسة، وصولاً لما نشاهده اليوم من ثورة حقيقية في عالم الطيران، والحال نفسه ستجده في كل مفصل من مفاصل التطور البشري، وفي كل حقل علمي، ستجد أن لبنتها الأولى كانت الخيال، بل الدافع نحوها كان الخيال.

ومثل هذه الأثر الكبير للخيال، ليس وليد اليوم، أو للعصر الحاضر، أو للفترة الزمنية التي نعيشها، بل هو قديم قدم الإنسان، فإذا عدنا نحو الحقب الأولى للإنسان، نحو عمق التاريخ البشري، سنجد أن الخيال والتخيل والأحلام، كانت ماثلة وموجودة بشكل دائم ومستمر، وهذا يعني أن عملية الخيال، هي جزء من الإنسان، وجزء أصيل، فهي ليست طارئة أو حديثة، بل ستجد أن لها بعداً زمنياً عظيماً في ذاكرته، ومختلف جوانب حياته، فحتى تلك الحقب التي تصنّف بأنها العصور الحجرية، سنجد علامات من النقوش والحفر داخل الكهوف، ما يدل على عملية واسعة للخيال، كانت تراود الإنسان القديم، فهو ينحت في تلك الحقبة أشكالاً عن القوة التي لا تقهر، والتي تتغلب على الضواري والوحوش، وهو أيضاً ينقش أشكالاً تظهر وفرة الطعام وتنوعه، وما وجده علماء الآثار في تلك الكهوف، عبارة عن رسوم وأشكال مرسومة، فاللغة في تلك الحقبة، كانت تصويرية، وليست حرفية، بمعنى أن التعبير لدى الإنسان القديم، كان قبل اكتشاف اللغة نفسها، وكانت معظم مواضيعه وما يستهدفه، هو عبارة عن تخيلاته أو رغبته في الواقع الذي يعيشه من خلال خياله، فهو يتخيل الحياة التي يريدها، وليست الحياة التي يعيشها وحسب. وما نتحدث عنه هو واقع، فقد تم الكشف عن نحوت ورسوم في كهوف قدر العلماء عمرها لأكثر من 35 ألف عام، وفي أحد الكهوف، وبالقرب من نهر توين في زامبيا، قدّر العلماء عمرها بنحو 180 ألف عام. وبالتالي، فإن عملية التخيل لدى الإنسان غير مستغربة، أو أنها خاصة بفئة دون أخرى، بل هي عامة وشاملة. الخيال ذو وظيفة جوهرية وهامة للإنسان، وهو ضرورة وجودية، تساعده على تجاوز العقبات والتحديات، والخيال كان دوماً خير وسيلة لإيجاد الحلول وتذليل الصعاب.

Email