ماذا يريد الغرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفكر سياسي واقعي، فيتحدث عن الجلوس حول مائدة المفاوضات.

ولكن يبدو لغاية هذه اللحظة، وبمرور الأيام، واحداً بعد آخر، أن لا فرصة لأية مفاوضات بين روسيا والغرب. واللافت في الأمر، أن سبب ذلك لا يعود إلى الرئيس الروسي، ولكنه موقف العواصم الغربية.

ما الذي يجري، هنا؟

ويفكر سياسي عاقل، فيتحدث عن إيجاد صيغة لمؤتمر دولي، يضم الأطراف، أصحاب العلاقة المباشرة، ومن يتأثرون، أو يمكنهم التأثير في مجمل الأحداث الجارية. ولكن يبدو هذا لغاية هذه اللحظة، وبمرور الأيام، واحداً بعد آخر، اقتراحاً لا يحظى بأدنى فرصة. واللافت هنا، أيضاً، أن سبب ذلك لا يعود إلى الرئيس الروسي نفسه، ولكنه موقف العواصم الغربية.

ومرة أخرى، ما الذي يجري، هنا؟

وفكّرت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، فأسمعت القادة الأوروبيين كل «الكليشيهيات» التي يحبون سماعها حول الرئيس الروسي، ولكنها تحدثت حول استحالة عزل روسيا، التي «ستبقى دائماً جارة لأوروبا، لا يمكن تجاهلها»، وقالت إن «لا سلام في أوروبا بدون مشاركة موسكو»، فخرج من برلين نفسها، دبلوماسي يحالف الغرب، وهاجمها بحدّة.

إذن، ما الذي يريده الغرب..؟

لا يستسيغ الغرب التفاوض، لأنه يريد من روسيا أن تقبل طوعاً بمحاصرته لها سياسياً واقتصادياً، وأن ترضى بوقوفه على عتبة بابها جيواستراتيجاً، وأن يكف قادتها عن التذكير بأنه كان قد التزم، على نحو مشدد، بألا يتوسع الناتو «شبراً واحداً، شرقاً».

إنه يطلب الاستسلام، ويريدنا أن نصدق أنه يريد السلام!

ولا يستسيغ المفاوضات، لأنه يريد أن يواصل الحصول على ثروات روسيا والعالم بأرخص الأثمان، وأن يبقى قادراً على إعادة تصديرها إلى أسواق العالم نفسه على شكل بضائع وصناعات تباع بأغلى الأسعار، وتصدير نفسه بفضلها قوة دولية نهائية، تفرض نموذجها وإرادتها على بقية العالم.

إنه يطلب الهيمنة، ويريدنا أن نصدق أنه يسعى إلى الشراكة!

ولا يريد الغرب مؤتمراً دولياً، لأن مثل هذا المؤتمر، سيضطره للجلوس على مائدة واحدة مع كل القوى الفاعلة في العالم، سياسياً واقتصادياً، والدول التي تغذي اقتصاد العالم بالطاقة والمعادن والعقول والأيدي العاملة، فيضطر للقبول بإصلاح النظام الدولي، المختطف منه هو نفسه، منذ عقود.

إنه يطلب القبول بالحفاظ على نظام الأزمات الدورية الدولي، المكلف والفادح، الذي أرهق البشرية، بينما يفيد منه هو. ويريدنا أن نصدق أنه حريص على الاستقرار العالمي!

وبعد، هل نحن فقط من يختلف مع الغرب؟

لا، تعليقات قراء صحيفة «دي فيلت» الألمانية على المقابلة مع المستشارة السابقة تؤكد ذلك، لقد لاحظ هؤلاء أنه خلال فترة ولاية ميركل، بالذات، تمكنت ألمانيا والاتحاد الأوروبي، من الحفاظ على توازن نسبي في الحوار مع الكرملين، حتى في أسوأ الظروف.

يقول أحد هؤلاء القراء: «لم أكن أبداً من المعجبين بميركل. لكن الفكرة القائلة إن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة روسيا، تبدو صحيحة تماماً. لو تم أخذ مبادرات بوتين، التي دأب على طرحها منذ أولى سنوات رئاسته، على محمل الجد، كان سيتحقق كل ذلك على أرض الواقع، لكن الولايات المتحدة منعت ذلك».

فعلاً، لم يسمعوا، في الغرب، ولم ينصتوا، فها هم ذا، في هذا الموقف الصعب!

ويكتب آخر: «ميركل على حق. لقد سارت أمورنا بشكل جيد لفترة طويلة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الطاقة الرخيصة من روسيا. للأسف، لم يسمح الأمريكيون لأوكرانيا بتنفيذ اتفاقيات مينسك. والآن حلت الفوضى لدينا».

فعلاً، كانوا يأخذون الطاقة رخيصة، والآن يريدون أخذها مجاناً!

وتقول قارئة: «منذ أن وصف أوباما روسيا بالدولة الإقليمية، أصبح من الواضح أن الأمور أخذت تغلي في السياسة. وربما كانت ميركل هي، بالذات، من أمكنه ضبط ضغط هذا الغليان على مدى سنوات عديدة».

فعلاً، فعلت المستشارة السابقة كل هذا، فأعفتهم وأعفت العالم، لسنوات، من كل هذه المغامرات المهلكة!

ويشير قارئ: «بغض النظر عما يقال عن سياسات ميركل، فقد حاولت إيجاد توازن. وهذا جعلها واحدة من أكثر الناس شعبية في العالم. كان لديها إحساس بالواقعية. لم تخبرنا بحكايات خيالية».

فعلاً، كان هناك ثمة من يقول إن ميركل عقل أوروبا وإرادته. أشفقوا على الاتحاد الأوروبي ودوله، متى ما غابت هذه المرأة!

* كاتب أردني

Email