النخبة الإعلامية وصناعة التأثير

ت + ت - الحجم الطبيعي

واحدة من القضايا التي لا ينقطع النقاش حولها هو الإعلام بنوعيه التقليدي والحديث، فمن غير المنتديات الكبيرة التي تُخصص لها، وفي صدارتها «منتدى الإعلام العربي» الذي اختتم دورته العشرين يوم الأربعاء الماضي، فإنه لا يخلو لقاء سياسي أو ثقافي وأحياناً دون حتى مناسبة إلا ويكون فيه الإعلام حاضراً وهو ما يعني أنه قطاع حيوي ويشغل الأفكار.

واحدة من الأفكار الكثيرة التي طرحت ضمن المحاور التي تم مناقشتها في المنتدى الأضخم والأكثر تأثيراً عربياً وإقليمياً، كان حول النخبة الإعلامية أو المثقفة وتأثيرها في الرأي العام العربي. اختلفت رؤى المتداخلين حوله وهذا هو المطلوب ولكن يبقى أن الإعلام حاله كحال أي قطاع آخر يتم صناعته ليس لأننا في عصر «العولمة» التي حولت كل الأشياء إلى «سلعة».

وإنما لأن الصناعة هنا تعني إعداد العاملين بمهارات العصر وبالطريقة التي يستطيعون أن يدركوا الأبعاد الحقيقية لهذا السلاح الحساس والمهم. فكان هناك من يرفض عبارة «صناعة الإعلام» كمفردة مع أن أي عمل اليوم يتم صناعته كما غيره من الأعمال والمهن بما فيها الرياضيون الذين يحققون المراكز الأولى والنجاحات الكبيرة.

هناك سببان يدعوان إلى أهمية صناعة الإعلام في عالمنا العربي. السبب الأول: أنه يحمل رسائل سياسية عن الدولة التي يمثلها أي أنك تستطيع إبراز التوجهات الخارجية للدولة من خلال هذا «الذراع الوطني» المهم، لأنه أصبح اليوم مرتبطاً بمفهوم القوى الناعمة للدول، أي أنه ليس فقط بناء الصورة الإيجابية للدولة بل القدرة على التأثير على سلوكيات الناس واتجاهها، ويختلف قوة التأثير من دولة إلى أخرى حسب الثروة المادية والبشرية لكل دولة أو المؤسسة الإعلامية، لذا فدعمه مطلوب.

فاهتمام الناس بما ينقله الإعلام التابع للدولة التي ينتمي لها يدفع لأن تصبح نموذجاً لمن يتأثرون بها وبالتالي التفكير في الذهاب إليها، ما يعني في النهاية زيادة تأثير الدولة في قناعات الرأي العام، وبالتالي الإقبال للعيش فيها، فهي سياسة ترويجية غير مباشرة. وكذلك اتساع مساحة الإعلام بلغات مختلفة مع وجود محتوى مقنع يحول المؤسسة الإعلامية إلى قوة اقتصادية كبيرة لأنها تمثل مصدراً للدخل.

السبب الثاني: أن الإعلام يدر دخلاً مالياً كبيراً إذا ما تم الاستثمار فيه بشكل صحيح وإلا لما كان هناك تنافس بين رجال الأعمال في العالم لاحتكاره. وبما أن الدول العربية اتجهت لخصخصته أو جزء منه كي يكون أكثر نشاطاً وحيوية لكن دون تجاوز «الخطوط الحمر» للدول وعلى رأسها القيم المجتمعية فإن وضع استراتيجية له هي أحد مجالات خلق فرص عمل لمواطني الدول العربية وكذلك لتعزيز خط الدفاع الأول وهو أمر في غاية الأهمية.

لا توجد دولة في العالم تفكر في إحداث ثورة اقتصادية وتنموية حقيقية أو في لعب دور سياسي مؤثر دون أن تضع استراتيجية إعلامية لها وعلينا أن نتذكر أن إذاعة الـ«بي بي سي» عملت على الترويج للدور البريطاني في العالم في فترة من الفترات رغم أنها كانت دولة مسيطرة على العالم كما فعلت قناة الـ«سي إن إن» للولايات المتحدة خلال فترة التسعينيات، فهي ليست وسيلة هامشية بل إن الإعلام الأداة التي تبرز قوة الدولة الحقيقية.

كما أن علينا أن نستوعب أن روسيا والصين عندما فكرا في المنافسة على المكانة الدولية قررا التركيز على الإعلام لإبراز أفكارهم ونواياهم تجاه العالم وبلغات مختلفة منها العربية، وبالتالي وجب علينا كعرب إعادة التفكير في هذا القطاع بطريقة مختلفة بحيث نفكر بأن يكون لنا تأثير في توجهات الرأي العام العالمي وهذا ما تم طرحه في الجلسة الرئيسية الأولى التي ركزت على إيجاد استراتيجية إعلامية عربية.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم مناقشة فيها مستقبل الإعلام العربي وأكيد أنها لن تكون الأخيرة وهذا دليل على أهمية هذا القطاع ويفسر خبراء الإعلام الذين تواجدوا في هذا المحفل الكبير أنه بمجرد حصول هذا النقاش المتكرر واستضافة شخصيات ضمن دوائر صناعة القرار في الدول العربية دليل على الرغبة في إحداث تطوير وصناعة إعلام عربي يواكب التحديات الجديدة.

* كاتب إماراتي

Email