الترجمة رسالة إنسانية وأداة داعمة للمنظومة التشريعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل العولمة الثقافية والفكرية والاقتصادية سمة رئيسية للمرحلة الراهنة، ويعتبر العالم اليوم أكثر ترابطاً وتواصلاً من أي وقت مضى، في ظل تقارب المسافات كإحدى تجليات عصر التكنولوجيا. وفي ضوء ذلك، تتزايد أهمية الدور الحيوي للترجمة في النقل المعرفي والثقافي العالمي، وتتنامى إسهاماتها في نشر العلوم والتقريب بين الدول والشعوب، وتبادل الثقافات، وحفظ الإرث التراثي، والتعريف بالحضارات. 

وباتت الترجمة قوة دافعة للتنمية على مختلف الصعد، العلمية منها والأدبية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فهي قناة التواصل العابرة للغات والثقافات، والأداة الأساسية لمشاركة آخر الاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية، ونقل ونشر المعلومات وتوطيد العلاقات والأخوة الإنسانية.

وأعطت هذه التطورات أبعاداً جديدة للترجمة كرسالة إنسانية، وأبرزت أهمية المترجمين في تسهيل الحوار بين الشعوب على اختلاف أصولها ولغاتها وأعراقها. وانطلاقاً من أهمية الترجمة، واحتفاء بدور المترجمين في نشر الثقافات والعلوم، وتسهيل سبل التواصل بين الشعوب، أصبح يوم الـ 30 من شهر سبتمبر من كل عام موعداً للاحتفال باليوم العالمي للترجمة، إثر اعتماده من الأمم المتحدة بناءً على اقتراح من الاتحاد الدولي للمترجمين، ويعود الاحتفال بهذه المناسبة لأول مرة إلى العام 2017.

وتولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً خاصاً بتنظيم مهنة الترجمة وتطويرها إدراكاً منها لأهمية دور المترجمين، ولا سيما أن الدولة تحتضن على أرضها مقيمين من أكثر من 200 دولة، وتشكل نموذجاً قل نظيره عالمياً في تلاقي الثقافات وتمازج الحضارات. وتحرص على توفير السبل الضامنة للارتقاء بالترجمة كوسيلة لإثراء المعرفة والفكر، حيث كانت سباقة في صياغة واعتماد إطار تشريعي ينظم مهنة الترجمة وعمل المترجمين. وصدر القانون الاتحادي رقم «6» لسنة 2012 بشأن تنظيم مهنة الترجمة، مشكلاً إطاراً متكاملاً لتنظيم عمل المترجمين، واضطلاعهم بمهامهم وفق أفضل الممارسات وأعلى المعايير، وخاصة على صعيد الالتزام بسرية المعلومات التي تتاح لهم بحكم مزاولة عملهم. 

وفي إطار التزامها بتعزيز مفهوم المواطنة الإيجابية، وضمان امتثال سكان دبي وزوارها للتشريعات النافذة، حرصت حكومة دبي، ممثلة باللجنة العليا للتشريعات، على توفير الترجمة للتشريعات الصادرة في الإمارة إلى اللغات الأجنبية، ليتسنى لأفراد المجتمع من غير الناطقين باللغة العربية فهم نصوص وأحكام تلك التشريعات، والالتزام بتطبيقها وتجنب ارتكاب أية مخالفة لأحكامها. وأسهمت هذه الخطوة بشكل مؤثر في تعزيز مبادئ الشفافية وسيادة وإنفاذ القانون. 

ومما لا شكّ فيه أن دور المترجمين يكتسب أهمية استثنائية في دبي باعتبارها حاضرة عالمية، متجاوزاً نطاق تسهيل التواصل بين الأفراد، ليشمل الإسهام بفاعلية في تقدم المجتمع والمحافظة على أمنه واستقراره على المستويات كافة، من خلال ضمان فهم النصوص التشريعية والأطر التنظيمية، والركائز والقواعد التنظيمية لمزاولة أي نشاط أو مهنة في الإمارة. ويمثل العمل التشريعي في الدولة عموماً ودبي خصوصاً، أحد أبرز المجالات التي تجسد اتساع نطاق دور الترجمة، وتنامي أثرها في تعزيز الثقافة والمعرفة التشريعية، وتطوير منظومة تشريعية مستدامة، تدعم مسيرة نماء الدولة وتقدمها، وتسهم في ترسيخ مكانتها المرموقة في مصاف أبرز الدول المتقدمة عالمياً.

Email