في مدرسة القائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك رجال يعيشون في أوطانهم وهم الكثرة الكاثرة، وهناك رجال تعيش أوطانهم في أعماقهم وهم القلة النادرة، فيبذلون في سبيل رفعتها وتقدمها كل غالٍ ونفيس، ويسهرون الليالي في سبيل أن تظل في مقدمة الصفوف، وتكون سيرتهم في الحياة مصدر إلهام ومنبع إشعاع لجميع من يقتبس من نار معرفتهم، ويتفيأ ظلال تجربتهم، وكم كان وطني الحبيب دولة الإمارات العربية المتحدة محظوظاً، ومنذ بزوغ نجمه في سماء الدنيا، بهذا النمط الفريد من الرجال، ابتداءً من القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفيقه في قصة بناء الوطن الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، ومعهم كوكبة من فرسان الوطن ورجالاته الكبار، ليظل هذا الإرث الجليل مصوناً ومتجذراً في عقول أبناء الوطن، ولا سيما القادة الذين نهلوا من خبرات القادة الكبار، وتمرسوا بفنون الحكم والإدارة تحت عيونهم وبإرشاداتهم، ويأتي في طليعتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي استلهم كل معاني الحكمة والتصميم والعزم من نشأته المبكرة في بيت من بيوت السيادة، ولوحت جبينه الحُرّ شمس الصحراء اللاهبة في طفولته المبكرة، وعاش قريباً من والده وهو يبني مجد دبي كواحدة من أرقى المدن العالمية، ومنطقة جذب سيكون لها أكبر الشأن في مستقبل الأيام، فورث مجد هذه المدرسة، فضلاً عما تعلمه من خاله الشيخ زايد، رحمه الله، من دروس الحياة ليجتمع له من ذلك كله شخصية فريدة لم تقبل إلا أن تكون مدرسة ملهمة بحد ذاتها، مدرسة تقرن القول بالفعل، وتؤكد للجميع أن صناعة الحياة الكبيرة لا تحتاج إلا للإرادة العظيمة والهمة العالية.

قبل عام وحين تسلم سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد مسؤولياته الجديدة نائباً لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للمالية بالإضافة إلى مهامه نائباً لحاكم دبي؛ استقبل الجميع هذا التعيين بالحفاوة المستحقة، وبعد مدة من الزمن كتب سمو الشيخ مكتوم تدوينة بديعة في 24 نوفمبر 2021 افتتحها بقوله: تعلمت من مدرسة محمد بن راشد أن العمل هو أساس الإنجاز، وختمها بقوله: كثيرة هي مدارس الحياة، ولكنك تدرك الحياة عندما تتعلم من مدرسة محمد بن راشد. لتكون تلك التدوينة الرائعة ترسيخاً للامتنان الكبير الذي يشعر به سمو الشيخ مكتوم لهذا الوالد الكبير في فعله وقوله، وها هو يعود اليوم ليؤكد عمق الحضور لهذه المدرسة التي تركت بصمتها القوية على كل شبر من أرض الوطن، وليكتب تدوينة بديعة المحتوى على حسابه في «إنستغرام» نوه فيها بالدروس الكبرى التي استلهمها من هذا القائد الجسور الذي ينظر إليه أبناؤه، وكل أبناء الوطن هم أبناؤه، ينظرون إليه كضمير نابض بالحب لهذا الوطن الذي يستحق كل حب وولاء وانتماء.

«تعلمت من مدرسة محمد بن راشد أن قيمة الإنسان هي في التغيير الذي يستطيع إحداثه في العالم» بهذه العبارة المفعمة بالصدق والعرفان يفتتح سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد هذه التدوينة البديعة التي ترصد ملامح القيادة الفريدة في شخصية والده الجليل، فالدرس الأول العميق الذي تعلمه في مدرسة والده هو درس خطير عظيم التكاليف والأعباء، ويكشف عن الجوهر الحقيقي للإنسان، فقيمة الإنسان هي بمقدار ما يتركه من آثار تشهد على قدرته على التغيير: تغيير أنماط التفكير، وتعديل مسار القيم والأخلاق العملية، وتغيير جوهر الإنسان واستخراج أفضل ما فيه من الطاقات المبدعة، فهو تغيير في الجوهر والعمق وليس مجرد تغيير شكلي قد يقتصر على شكل الحياة ومظاهرها الخارجية، ولكنه يتعدى ذلك إلى تغيير البناء العقلي والوجداني للإنسان بحيث ينتقل من حالة إلى حالة، ومن السلب إلى الإيجاب، ومن الأخذ إلى العطاء، وليس مهماً شكل التغيير ومساره، لكن المهم هو ما يتركه من الآثار الحميدة في مسيرة الوطن والإنسان، فلولا عمق حضور هذه الفكرة في عقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ووجدانه وتغلغلها في أعماقه منذ طفولته لما وصلت بلادنا إلى هذه المرتبة الحضارية الفريدة، فنحن لا نتكلم عن مجرد خيالات، بل نتكلم عن وقائع ملموسة وإنجازات متحققة على أرض الواقع تشهد بضخامة الأعباء وعظمة التحديات وروعة الآثار والثمرات.

«وأنّ تغيير العالم الكبير يبدأ بخطوات صغيرة: حول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد دبي من مدينة واعدة إلى وجهة عالمية، والإمارات من دولة متطورة إلى ريادة الأمم» وهذا هو الدرس الأعمق الذي تعلمه سمو الشيخ مكتوم في مدرسة والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فالإنجازات الكبرى في تاريخ الإنسانية كانت مجرد أحلام صغيرة داعبت خيال الإنسان مهما كان حجمها وطبيعتها وما يكتنفها من التحديات، ويضرب سمو الشيخ مكتوم مثالاً حياً على هذا التغيير، حيث يستلهم منجزات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في تحويل مدينة دبي من مدينة واعدة وادعة يغدو صيادو السمك ومستخرجو اللؤلؤ على شاطئها لتحصيل رزقهم في الصباح الباكر، لتصبح دبي الوجهة العالمية التي تتوافد إليها الأمم والشعوب بسبب حضورها العالمي الكثيف، ولكثرة ما يقام على ثراها من الفعاليات والأنشطة العالمية التي تعجز الدول الكبرى عن تنفيذها، وأما الوطن الكبير الإمارات فهو معجزة في التحول الحضاري، حيث انتقلت هذه الدولة وبسرعة تستعصي على التفسير من دولة سائرة في طريق النمو والتطور إلى دولة متحضرة تحقق أعظم النجاحات وأرقى الإنجازات التي جعلت منها دولة تحتل مكاناً متقدماً جداً بين كبرى الدول الحديثة في جميع المؤشرات الحضارية الرفيعة المستوى.

«والحضارات ما هي إلا نتاج عمل لأفرادٍ سابقوا الزمن برؤية، وصنعوا حاضرهم بأيديهم»، وأما جوهر التقدم الحضاري الشامل فهو ثمرة ناضجة لجهود حثيثة بذلها أفراد متميزون كانوا مسكونين بهاجس التغيير، ويمتلكون رؤيتهم الذاتية الخاصة بهم، ويسابقون الزمن في سبيل تحقيق المقصود، فتحقق على أيديهم ما تشهد به الحياة المعاصرة من مظاهر التقدم والإبداع والتميز، فصنعوا هذا الحاضر المشرق من تلك الآمال الصغيرة والأحلام الرائعة.

«محمّد بن راشد القائد المُلهِم الذي يُذكّرنا كل يوم بقوّة الحالمين وقدرتهم على إحداث الفرق في مسيرة التاريخ وقصة الإنسان» وبهذه الكلمات الناصعة الدلالة يختتم سموّ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد هذه الشهادة الكبرى في حق والده القائد المُلهم الذي تستلهم الأجيال رؤيته ومسيرته العاطرة في بناء الدولة، وترسيخ هيبة الوطن، وإعلاء قيمة الإنسان.

Email